مقدمة:
تُعد قضية الأشخاص المخفيين قسراً في سوريا واحدة من أكثر القضايا تعقيداً ومرتبطة بشكل مباشر بالحل السياسي للبلاد الذي قد يساهم بالكشف عن مصير مئات الآلاف من الأشخاص الذين لايزالون مفقودي الأثر، وتقدر اللجنة الدولية لشؤون المفقودين عدد المفقودين والمخفيين قسراً في سوريا بأكثر من 130 ألف شخص[1] منذ بدء الحرب فيها عام 2011، بينما قد يكون العدد الحقيقي أكثر في ظل عدم توفر إحصاءات شاملة، وتسببت جميع أطراف النزاع والجهات الخارجية الداعمة لها بفقدان هؤلاء الأشخاص.
يعرض التقرير حالة من الجزء الأكثر تعقيداً في قضية المخفيين قسراً، وهم المخفيون على يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي سيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق في الفترة الممتدة ما بين العامين 2013 و 2019، وتقدر المنظمات غير الحكومية عدد الأشخاص المخفيين على يد التنظيم في سوريا بما يقارب 20 ألف شخص[2]، ونفذ مسلحو داعش آلاف حالات الإعدام و نقلوا آلاف الأشخاص قسراً بين سوريا والعراق، ونفذوا عشرات المجازر وخلّفوا مئات المقابر الجماعية التي لم يتم الكشف عن غالبيتها.
وشمالي سوريا تقع مدينة كوباني وريفها، التي هي مسقط رأس المفقودين الذين نسرد حكايتهم في تقريرنا، وهي واحدة من المدن التي فرض التنظيم سيطرته عليها في أكتوبر 2014, وتسبب بنزوح نحو 400 ألف شخص منها ومقتل وإصابة أكثر من 1500 شخص فيها، إلى جانب فقدان مئات الأشخاص الذين تم نقل البعض منهم إلى العراق.
في هذا التقرير، نسلط الضوء على قصة الإخفاء القسري لخمسة أفراد من عائلة واحدة في ريف كوباني، على يد عناصر داعش قبل ما يقارب عقداً من الزمن، وهو مثال واحد من عشرات الحالات المماثلة لتعدد المفقودين من العائلة نفسها، والتي هي جزء من مئات حالات الإخفاء القسري الأخرى في كوباني، ونعرض الأثر الذي طال ذوي المفقودين، لا سيما المسنين والنساء والأطفال منهم.
كما نناقش سبل دعم البحث عن الحقيقة ومنع الجناة من الإفلات من العقاب رغم انتهاء سيطرة التنظيم الجغرافية.
وبغرض إعداد التقرير أجرت منظمة إنسايت 4 مقابلات فيزيائية مع أفراد من العائلة، و4 مقابلات مع ناشطين وحقوقيين, بالإضافة إلى استخدام بعض المواد التوثيقية التي كنا قد جمعناها خلال العام الماضي حول القضية نفسها.
هاربون من الإرهاب والفقر
أدى الصراع في سوريا، عقب احتجاجات العام 2011، لانتشار قوى وفصائل عسكرية مختلفة، تبعها ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2014 وانتشاره في شرقي وشمالي البلاد.
وبقي سكان مناطق سورية عديدة، من بينها كوباني، في منطقة محاصرة تعاني توقف الأعمال وشح مصادر الدخل، بسبب فقدانها دخلها المحدود من الزراعة والعمران وتربية المواشي والأعمال الأخرى المتوقفة بسبب فقدان الاستقرار.
وفاقم ظهور تنظيم داعش، في العام 2014، الضائقة المعيشية وشح فرص العمل للشباب الذين احتاروا بخصوص معيشتهم وسبل إعالة أسرهم.
وصباح 15 آب/ أغسطس 2014، انطلق ستة أولاد عمومة، من قرية دمرجيك جنوب شرق كوباني شمالي سوريا، في محاولة للخروج من البلاد نحو إقليم كردستان العراق.
أبلغ صاحب حافلة عدداً من الشباب المحليين بأنه تمكن من دفع رشاوى لفصائل تسيطر على الطريق شرق كوباني، وأن بإمكانه إيصالهم لمنطقة الجزيرة حيث تتوفر فرصة الخروج من البلاد باتجاه إقليم كردستان العراق الذي كان وجهة أبناء العائلات الكردية السورية الفارة من الحرب في بلادهم.[3]
انضم الشباب الستة للمجموعة التي استقلت الباص في ذلك اليوم، وكان العدد الإجمالي لهم يقارب 30 شخصاً.[4]
أوقف مسلحون يتبعون “الجيش الحر”، وهو فصائل ومجموعات تشكلت من منشقين ومعارضين مسلحين، الحافلة، واقتادوا ركابها إلى مدينة تل أبيض حيث تم التحقيق معهم ثم إطلاق سراحهم.
بعد الخروج من تل أبيض، قال أحد الركاب إنه لم يستعد هاتفه من عناصر الحاجز وآخر هويته الشخصية، وطلبا العودة، اقترح الآخرون إكمال السير والاشتراك في شراء هاتف، إلا أن الشخص الآخر قال إنه يحتاج بطاقة الهوية الشخصية في الرحلة وللخروج من البلاد.[5]
عاد الباص إلى تل أبيض، في وقت كان عناصر داعش قد نصبوا حاجزاً في قرية خربة هدلة، فاعتقلوهم ونقلوهم إلى الرقة.
أسدل العناصر ستائر الباص، قيدوا أيدي الجميع وعصبوا أعينهم، وأخذوا الباص للرقة لقصر المحافظ الذي اتخذه التنظيم مقراً رئيساً.
وبعد يومين، أخبر صاحب الباص، الذي تم الإفراج عنه، العائلات باعتقال أبنائهم.
وبعد أقل من شهر، أطلق تنظيم داعش سراح بعض المعتقلين لديهم، أحدهم من العائلة نفسها، فيما بقي شقيقان وثلاثة من أبناء عمهما مجهولي المصير.
تقول والدة أحد المفقودين: “ابني خرج من المنزل معه لباس العمل ومطرقة النجارة، والمجموعة كلها كانت متوجهة لكردستان العراق بهدف العمل”.[6]
وكانت أعمار المفقودين الخمسة حين اعتقالهم تتراوح ما بين 16 و30 عاماً، اثنان منهم متزوجان ولديهما أطفال.
ووثقت لجنة أهلية لذوي المفقودين في كوباني أسماء 562 مفقوداً من المدينة وريفها على يد تنظيم داعش، في حوادث احتجاز فردية وجماعية تلاها إخفاء قسري.[7]
وفي حادثة سابقة جرت في 19 شباط/ فبراير 2014، اعتقل مسلحو داعش ما يقارب 160 شخصاً، كانوا ضمن قافلة حافلات، ونجا عدد محدود منهم لكونهن نساء أو رجال برفقتهم نساء.
و في حادثة ثالثة جرت في 29 أيار/ مايو من عام 2014، احتجز مسلحو داعش 153 طالباً (أعمارهم ما بين 14 و16 عاماً) قرب مدينة منبج أثناء عودتهم من مدينة حلب بعد انتهائهم من تقديم امتحانات الشهادة الإعدادية.[8]
وأمر عناصر التنظيم الفتيات بالعودة أدراجهن باتجاه مدينة حلب، بينما تعرض الذكور للاحتجاز والتعذيب حتى إطلاق سراحهم في 28 حزيران/ يونيو.
جولات بحث محفوفة بالمخاطر
في نهاية آب/ أغسطس عام 2014، ذهب مسلم محمود (والد أحد المفقودين وعم الآخرين) لقصر المحافظة في الرقة، وأخبره عناصر التنظيم هناك أن الأولاد بسلامة “يأكلون ويشربون وينامون، لكن ممنوع مقابلتهم”.
ولأكثر من شهر، بقي يتردد على المبنى حاملاً أسماء مفقودي عائلته.
” كان أحد ايام الخميس، جاء ولد صغير وقال يطلبونك، ذهبت قال لي شخص أعطني أسماء أولادك، أعطيته أسماء الخمسة، غاب لنحو ساعة ونصف وعاد قائلاً: حجي أولادك مازالوا بالتحقيق”.[9]
وبعد محاولاته المتكررة لإقناع العناصر بأن أبناءه لا يمثلون أي طرف عسكري أو سياسي، وأنهم فقط كانوا يبحثون عن منطقة يحصلون فيها على عمل، طلبوا منه مراجعتهم في يوم آخر.
” كان موعدنا يوم الثلاثاء، حمل الداعشي الورقة التي تحوي أسماءهم، غاب لنحو ساعة وعاد ليقول: أولادك ليسوا عندي”.
وبسبب مشاعر الإحباط والخوف من المخاطر التي تهدد أولاده، اتهم الرجل المسن مسلحي التنظيم بالاعتماد على وشايات كاذبة أو انتزاع اعترافات تحت التعذيب، فقام أربعة عناصر بإخراجه من المبنى بالقوة.
عاد مسلم إلى قريته في السابع من أيلول/ سبتمبر دون أن يعرف ما الخطوة التالية لتقصي أخبار مفقودي عائلته.
وفي 14 أيلول/ سبتمبر 2014، نزح أفراد العائلة لتركيا بسبب هجمات داعش على منطقة كوباني، وعادوا في حزيران/ يونيو 2015 بعد إخراج قوات سوريا الديمقراطية بدعم التحالف الدولي عناصر داعش من المدينة وقراها.
وبعد تحريرها عام 2017، توجه مسلم عدة مرات إلى الرقة، لكنه لم يتمكن من الحصول على أي معلومة.
وبعد مرور ستة أشهر على اعتقال المجموعة، فكرت عدلة حمي (وهي والدة أحد المفقودين)، أن مخاطر ذهابها إلى الرقة قد يكون أقل من ذهاب الرجال، فتوجهت للمدينة دون أن تخبر أحداً من الأقارب.
“سألوني هل ابنك كان مقاتلاً مع حزب العمال الكردستاني، قلت لو كان كذلك لكان معهم، ابني خرج من المنزل معه لباس العمل ومطرقة النجارة”.[10]
وفي تركيا، التقت “حمي” مع شخص نجا من سجون داعش وأرته صورة ابنها، فأخبرها أنه شاهده لتقابلهما صدفة أثناء الاصطفاف والجلوس داخل السجن، بينما قال إنه لا يتذكر إذا ما كان أبناء عمه معه آنذاك.
” أخبرني أن عناصر داعش نقلوه مع سجناء منطقة الرقة لمكان ما، وكان يجري الحديث عن مبادلة سجناء مع أسرى التنظيم لدى قوات سوريا الديمقراطية”.
ويقول ناشطون إن كون المحتجزين كرداً كان يكفي لاتهامهم بالوقوف في صف قوات سوريا الديمقراطية ضد التنظيم، كما أن عناصر التنظيم كانوا يتهمون بعض المحتجزين بالخروج عن الدين بعد توجيه أسئلة حول العبادات والمسائل الشرعية.[11]
أعباء يتحملها ذوو المفقودين
الضرر لحق جميع الوالدِين المسنين في العائلات الأربع، بالإضافة لخمسة أطفال وثلاث زوجات، إحداهن تزوجت قبل ستة أشهر فقط من فقدان أثر زوجها.
تقول عدلة حمي إن ابنها اعتقل ثم اختفى بعد عامين فقط من زواجه، وإن زوجته وطفليه مازالوا في انتظاره.
“كان الطفلان ينادياني وجدهما بابا وماما، لكنهما علما بعد ذلك من الصور والأحاديث أن والدهما غائب، يسألان الآن متى سيخرج من السجن؟ متى سيعود؟”.
وتضيف أن ولديها الآخرين يتجنبان احتضان أطفالهما والتغزل بزوجتيهما، مراعاة لمشاعر أفراد أسرة شقيقهما الذين يعيشون معاً في المنزل ذاته.
“حتى الدواعش أنفسهم، لا أتمنى لهم هذا المصير ولا أن تتعذب أمهاتهم وآباءهم مثلنا”.
وتعرضت منازل العائلات لنهب محتوياتها على يد عناصر التنظيم الذين سيطروا على المنطقة ودفعوهم للبقاء نازحين في تركيا لنحو تسعة أشهر من العامين 2014 و2015.
وتعاني أسرة هاجرة محمد، وهي والدة مفقودين، من غياب الرجال العاملين، فقد فقدت اثنين من أولادها في حادثة الباص، وتوفي زوجها قبل أربعة أعوام.
الابن الأكبر متزوج من امرأتين، وله ثلاثة اطفال، أما الآخر فكان أعزب.
وتطالب العائلات الأمم المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية والقوات الأميركية والروسية للمساعدة في معرفة مصير المفقودين.
تقول إحدى أمهات المفقودين: “يا ترى هم مقتولون أم مسجونون؟ لو أمكننا التحقق لكان كل منا سيعلم أي هم يحمل، لو أن شخصاً أخبرنا أنه شهد بعينه وفاتهم أو بقاءهم لهدأنا، لكن كأنهم ذابوا في ذلك القصر”.[12]
والآن بعد عقد من المعاناة بسبب غياب أبنائهم، يتمسك الآباء والأمهات بالأمل لدرجة سرد منامات أو أحاديث رجال دين تؤيد نجاة أبنائهم.
وذكر والدٌ أن أحد معارفه سرد له حلماً عن رؤية ابنه في حفرة وقد طالت لحيته، ما فسره الأب بأن ابنه على قيد الحياة لكنه يعيش ظروفاً عصيبة، كما نقلت والدة عن رجال دين زارتهم تأكيداتهم على أن ابنها على قيد الحياة، وبدت متفائلة بذلك.
ورغم مرور عقد على الحادثة وخمسة أعوام على انتهاء سيطرة تنظيم داعش، وتعقيدات الصراع على الأرض كاجتياح تركيا مع الفصائل الموالية لها على أجزاء من شمال وشرق سوريا، لكن العائلات لم تفقد الأمل في معرفة مصير مفقوديها.
سبل محتملة للحقيقة
وعدا عن مشاعر الكرب التي يكابدها ذوو الضحايا، فإن الاختفاء القسري ينتهك حقوقاً أخرى للمختفين أنفسهم كالحق في الأمن والكرامة والحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية والمهينة.
وبحسب المادة 17/1 من إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الصادر عن الجمعية العامة عام 1992، فإن “كل عمل من أعمال الإخفاء القسري يعتبر جريمة مستمرة باستمرار تكتم مرتكبيها على مصير الضحية أو مكان تواجده”، ويعتبر الانتصاف القضائي السريع والفعال ضرورياً لمنع وقوع حالات الاختفاء القسري في جميع الظروف بحسب المادة 9/1من الإعلان المذكور.
ورغم مرور عشرة أعوام على الحادثة وضياع الكثير من الأدلة، قد تكون عدة جهات مصدراً لمعلومات عن مصير المفقودين على يد التنظيم.
ويشكل عناصر التنظيم، سواء المحتجزون منهم على يد التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية أو المتواجدون في مناطق سيطرة كل من تركيا والحكومة السورية، مصدراً للمعلومات إلى جانب الناجين من سجون التنظيم ومن عاشوا في تلك الفترة تحت حكم التنظيم وكانوا على احتكاك مع أمرائه ومتزعميه.
ولم تتمكن العائلة من الحصول، حتى الآن، على معلومات من قوات سوريا الديمقراطية التي تحتجز أعداد كبيرة من عناصر داعش، ولم تتلقَّ أي اتصالات من أشخاص ربما يمتلكون معلومات عن مصير أبنائهم.
ومن جانب آخر، لا يزال داعش كتنظيم موجوداً، تشن خلاياه هجمات في المناطق الشرقية والبادية خصوصاً، ما يعني انتقال المعلومات المركزية من أمراء سابقين إلى آخرين.
وبحسب ما سجلته منظمة إنسايت، نفّذ تنظيم داعش في الربع الأول من العام الحالي 2024 أكثر من 132 هجمة، تبنى 94 منها.
الهجمات توزعت على 71 هجوماً ضد قوات سوريا الديمقراطية، و44 ضد قوات حكومة دمشق، و8 ضد الفصائل الموالية لإيران، و9 هجمات ضد المدنيين.
وقتل مسلحو التنظيم 207 أشخاص وأصابوا 219 شخصاً، سواء من خلال استهدافهم بشكل مباشر أو عن طريق زرع عبوات متفجرة وألغام.
وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 29 حزيران/ يونيو من عام 2023، إنشاء مؤسسة دولية مستقلة للكشف عن مصير المفقودين في سوريا.
وتحتاج عمليات البحث وجمع المعلومات من المصادر المتعددة إمكانات تقنية واستراتيجية بحث متماسكة وخبرات مدربة.
إذ تمثل المقابر الجماعية مصدراً آخر للمعلومات، رغم أن أعمال نقل جثامين ضحاياها جرت على عجلة ودون إمكانات البحث عن هوياتهم.
وشكلت الادارة الذاتية الحاكمة في شمال شرق سوريا لجنة مركزها في مدينة القامشلي، مكلفة بالبحث عن المفقودين.
وباشرت اللجنة إعداد قاعدة بيانات للمفقودين، لكن عدم توفر مخابر DNA والكوادر المتخصصة الطبية والفنية حتى الآن، تمثل عقبة أمام البحث بين رفات من تم انتشالهم من المقابر الجماعية في مدن الرقة ومنبج ودير الزور.[13]
ويقول الناطق باسم اللجنة، خالد عمر: “حسب المعطيات بين أيدينا، ستتوفر لنا فرصة لقاءات بأمراء وقادة من داعش المتواجدين في سجون قوات سوريا الديمقراطية للكشف عن مصير المفقودين”.
وبخصوص انتشال جثامين من مقابر أخرى يُحتمل اكتشافها، تقوم اللجنة بإعداد المزيد من المتخصصين بانتشال الجثامين دون التسبب بإتلاف الأدلة، وأخذ العينات وإجراء التحاليل اللازمة بما فيها الحمض النووي.
ووردت في شهادات ذوي المفقودين أسماء اثنين من متنفذي تنظيم داعش المسؤولين عن المعتقلين في ذلك الوقت، ولدى البحث عن الاسمين تبين أن الأول سوري ينحدر من ريف الرقة انضم لجبهة النصرة ثم لتنظيم داعش، بينما يشير لقب الثاني للجنسية المصرية، ولم يتم التحقق إذا ما كانا موجودين بين عناصر التنظيم المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي.
لكن المحاكمات التي تجريها الإدارة الذاتية لمحتجزي تنظيم داعش السوريين جارية، وقد يكون المتزعمان ممن يحاكمون في هذه الفترة، لكن لا يتاح لذوي الضحايا المفترضين حضور المحاكمات أو التدخل فيها دون ادعاء مسبق على جناة بعينهم.
ولا تعترف حكومة دمشق بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وتعتبرها أراضي سورية خارج السيطرة بحكم الأمر الواقع، ولا تفاهم بين الجهتين حول أي قضية محاكمة عناصر داعش، رغم خطورتها على سوريا عموماً.
وترفض الدول التي ينتمي لها المحتجزون من العناصر الأجانب نقلهم إلى أراضيها ومحاكمتهم هناك ولا بوادر حل قريبة للأزمة السورية حتى يمكن القول بحل قضية “المحاكمات ” في إطار رؤى وطنية جامعة تنتج قراراً سيادياً نافذاً دولياً.
ولم تحظَ الادارة الذاتية باعتراف دولي، ولم يتم الرد على نداءاتها بشأن إنشاء محكمة دولية لمحاكمة عناصر التنظيم الذي يمكن تكييف جرائم الارهاب التي اقترفها كجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحسب المادة 7و8 من نظام روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية.
ولم تفقد عائلات ضحايا الإخفاء القسري أملها في معرفة حقيقة ما جرى لأحبائها، بل تبث الأمل في أي مقترح أو خطوة قد تنهي معاناة طويلة، وذلك بالعثور عليهم سواء أكانوا ناجين أم قتلى.
والإخفاء القسري محظور وفق القاعدة 98 من قواعد القانون الدولي الانساني العرفي، ويعتبر من جرائم الحرب وفق المادة 8 من نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.
كما يصنّف ضمن الجرائم ضد الإنسانية وفق المادة 5 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
ويحض قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2472 الصادر عام 2019 أطراف النزاعات المسلحة على” اتخاذ جميع التدابير المناسبة للبحث بنشاط عن الأشخاص المبلغ عن فقدهم والتمكين من إعادة رفاتهم “.
ووفق بروتوكول مينيسوتا لعام 2016 الخاص بالتحقيق في حالات الوفاة التي قد تكون غير مشروعة، وهو دليل الأمم المتحدة لمنع ممارسات تنفيذ الإعدام خارج القانون والإعدام التعسفي والتحقيق في تلك الممارسات، ثمة عدد من المعايير التي ينبغي توافرها لدى الجهات المختصة عند القيام بنبش المقابر الجماعية المكتشفة واستخراج الجثث منها، وعدم التقيد بتلك المعايير من شأنه التسبب بفقدان الأدلة على الجرائم المرتكبة والتي يفترض اعتمادها في محاكمات مستقبلية، بالإضافة للتسبب بفقدان فرصة تحديد هويات الجثامين المكتشفة.
ونصت المادة 24 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري عام 2006 على حق الضحايا في معرفة الحقيقة ومصير أحبتهم المختفين قسراً، كما نصت مبادئ بلفاست التوجيهية التي أقرت عام 2005 على ضرورة حصول ذوي الضحايا على الانتصاف القضائي وجبر الضرر الذي حاق بهم بأشكال مادية ومعنوية، ما سيوفّر بادرة لتسريع عجلة العدالة الانتقالية.
ما هي المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا؟ وما اختصاصاتها؟
إن المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية (المؤسسة المستقلة) هي مؤسسة تم إنشاؤها حديثاً، وهي مكلفة بالمهام التالية:
توضيح مصير جميع المفقودين في الجمهورية العربية السورية وأماكن وجودهم.
تقديم الدعم الكافي للضحايا والناجين والناجيات وأسر المفقودين.
وقد أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 حزيران/ يونيو 2023 بموجب القرار 301/77. كما أن القرار مبتكر أيضاً في تركيزه على “مشاركة الضحايا والناجين والناجيات وأسر المفقودين وتمثيلهم بشكل كامل ومجدٍ” وفي تشديده على العمل مع منظمات المجتمع المدني بما فيها المنظمات النسوية.
ما هي اختصاصات المؤسسة المستقلة؟
إن وثيقة اختصاصات المؤسسة المستقلة هي من أبرز الوثائق التي تفسّر ولاية المؤسسة وتوجه عملها. وتركز الاختصاصات على المبادئ الأساسية (ومنها الشمول الجنساني، وعدم التمييز، وعدم الإضرار، والاستقلال، والحياد، والشفافية، وسرية المصادر والمعلومات، والتكامل وعدم الازدواجية، وافتراض البقاء على قيد الحياة، والاستدامة، وإمكانية الوصول، وتعدد اختصاصات المؤسسة بطبيعتها) وتترجمها إلى أنشطة عملية لتنفيذ ولاية المؤسسة، كما أنها تنطوي على المرونة اللازمة لتكييف برامجها وأولوياتها عندما تتغير الظروف والفرص مع مرور الوقت.
وستُكتمل الاختصاصات بسياسات وإجراءات ومعايير تشغيلية وأساليب عمل أخرى أكثر تفصيلاً، على أن يتم إعدادها مع بدء العمل.
التوصيات
- على المجتمع الدولي دعم الجهات العاملة في البحث عن المقابر الجماعية والتي تعمل على استخراج الجثث في المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش للحفاظ على أكبر قدر من الأدلة وإيجاد المعلومات التي قد تساهم بالكشف عن مصير مئات الأشخاص.
- على الإدارة الذاتية السماح للمنظمات العاملة في مناطقها والتي تبذل مجهود في الكشف عن مصير المفقودين وجمع الأدلة والتوثيقات من مقابلة عناصر داعش السابقين المحتجزين في سجونها والذين لهم صلة في اختفاء بعض الأشخاص.
- على الجهات العسكرية والقضائية التي تحتجز عناصر تنظيم داعش في سوريا والعراق وأوروبا وبلدان العالم الأخرى، استقبال رسائل ذوي المفقودين ومنظمات المجتمع المدني السورية وأخذها على محمل الجد عند ذكر أسماء محتجزين لديها على أنهم جناة أو مصادر للمعلومات.
- على المجتمع المدني التعاون معاً ومع المؤسسة المستقلة بشأن المفقودين في سوريا و تعزيــز شــبكات التضامــن بهــدف تعزيــز المنتديات الإقليمية لمساعدة الضحايـا في مناصرتهـم وجهودهـم للسـعي لتحقيــق العدالــة الإنصاف وجبر الضرر.
- على المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا إنشاء مجموعات مركزة من منظمات المجتمع المدني المتخصصة في جمع التوثيقات والبحث عن المفقودين لتكثيف الجهود وتركيزها، إذ من الممكن أن يساهم هذا بإسراع عملية الكشف عن مصير المفقودين.
للاطلاع على كامل التقرير اضغط هنا
المصادر:
[1] https://www.icmp.int/ar/news/more-than-130000-missing-from-the-syrian-conflict-with-numbers-still-on-the-rise/
[2] https://thesyriacampaign.org/20000-syrians-disappeared-by-isis-hundreds-of-bodies-found-in-mass-graves-now-thousands-of-people-ask-why-isnt-the-us-investigating/
[3] هاجر محمد- مقابلة إنسايت.
[4] لجنة المفقودين كوباني- مقابلة إنسايت.
[5] مسلم محمود- مقابلة إنسايت
[6] عدلة حمي- مقابلة إنسايت.
[7] لجنة المفقودين كوباني- مقابلة إنسايت.
[8] هيومن رايتس: داعش عذّب أطفال رهائن من كوباني https://www.hrw.org/ar/news/2014/11/04/264227
[9] مسلم محمود- مقابلة إنسايت.
[10] عدلة حمي- مقابلة إنسايت.
[11] لجنة المفقودين في كوباني- مقابلة إنسايت.
[12] عدلة حمي- مقابلة إنسايت.
[13] لجنة الإدارة الذاتية للمفقودين- مقابلة إنسايت.