في خطوة تعزز من مسار العدالة والمحاسبة لكافة السوريين/ات أعلن الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء في الثامن والعشرين من أيار/ مايو 2025 عن فرض عقوبات على ثلاثة كيانات وشخصيتين على خلفية اتهامهم بالتورط في أعمال عنف دامية على أساس طائفي وقعت في سوريا في آذار/مارس الماضي[1].
وطالت أعمال العنف مدنيين ينتمون إلى الطائفة العلوية على وجه الخصوص، وكنا في منظمة إنسايت قد وثقنا العديد من حالات القتل الجماعي على أساس الهوية الطائفية ومن ضمن الضحايا نساء وأطفال وكبار سن[2].
ورغم أن العقوبات عامة، وقانون قيصر على وجه الخصوص، أضرت بالشعب السوري أكثر من إفضائها لمحاسبة المتورطين في انتهاكات وجرائم بحق الشعب السوري، إلا أن العقوبات الموجهة لشخصيات مدانة وفي ظروف يبدو أن لا بدائل عنها للمحاسبة ستصب بلا شك في مسار العدالة.
وشملت العقوبات الموجهة لأشخاص وفصائل محددة تجميد أصول وحظر دخول دول الاتحاد الأوروبي، وطالت كل من:
محمد حسين الجاسم المعروف باسم (أبو عمشة):
كان قبل انضمامه لوزارة الدفاع السورية الجديدة، قائد فصيل سليمان شاه، المعروف أيضاً باسم “العمشات”، واسمه مدرج سابقاً على قائمة العقوبات الصادرة عن الخزانة الأمريكية[3] في السابع عشر من آب/أغسطس 2023 لتورطه وفصيله ضمن الجيش الوطني السوري بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية.
وتأسس الفصيل المستحدث “سليمان شاه” بالتزامن مع عملية غصن الزيتون عام 2018 التي سيطرت تركيا وفصائل موالية لها على منطقة عفرين شمال حلب، وبلغت الجرائم التي ارتكبها الفصيل وقائده حداً لم تخفيه المعارضة المسلحة نفسها، إذ صدر قرار عام 2022 بعزل محمد الجاسم وأشقائه من أي مناصب[4]، ورغم أن القرار كان ينص على العزل والنفي خارج منطقة عفرين بدل المحاسبة، لكنه بقي دون تنفيذ حتى اليوم.
وتشير البيانات إلى أن الجاسم جمع ملايين الدولارات من المبالغ التي فرضها بصورة غير قانونية على محاصيل الزيتون وغيرها من الأعمال في عفرين والفدى المالية التي تقاضاها فصيله للإفراج عن المعتقلين/ات تعسفاً.[5]
سيف بولاد المعروف باسم (سيف أبو بكر):
قائد فرقة الحمزة ضمن الجيش الوطني سابقاً، وهو مدرج أيضاً على قائمة العقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية في آب/ أغسطس 2023 لتورطه باختطاف نساء كرديات واحتجازهن لفترة طويلة.
وأعلنت الفصائل المشكلة للجيش الوطني السوري سابقاً عن اندماجها ضمن تشكيلات وزارة الدفاع السورية الجديدة، خلال “مؤتمر النصر”[6] الذي عقد في دمشق في التاسع والعشرين من كانون الثاني/يناير 2025.
وتم ترقية محمد الجاسم وسيف بولاد من قبل الحكومة السورية الانتقالية وتعيينهما في مناصب قيادية رفيعة في الجيش السوري الجديد، حيث تم تعيين محمد الجاسم قائد للفرقة 25 ثم الفرقة 62 في حماه برتبة عميد ركن، وسيف بولاد قائد للفرقة 76 في حلب برتبة عميد ركن أيضاً[7].
كما طالت العقوبات الأوروبية الجديدة تشكيلات عسكرية هي:
فرقة السلطان سليمان شاه: يتزعمها محمد الجاسم (أبو عمشة) وذلك لتورطها في أعمال عنف في المنطقة الساحلية السورية[8]، واستهداف مدنيين لاسيما من الطائفة العلوية وارتكاب جرائم تعسفية كما وصفها الاتحاد الأوروبي ومن ضمنها القتل.
فرقة الحمزة: يتزعمها سيف بولاد بسبب مسؤوليتها عن أعمال التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة لها والابتزاز والتهجير القسري للمدنيين في مدينة عفرين وحلب، وتورطها في أعمال العنف في المنطقة الساحلية بحق العلويين في آذار/ مارس الماضي.
فرقة السلطان مراد: يتزعمها فهيم عيسى[9]، وذلك لمشاركتها في ارتكاب انتهاكات إنسانية وعمليات قتل تعسفية بحق المدنيين من الطائفة العلوية في أحداث 6-7 من آذار/مارس 2025.
وتؤكد تقارير حقوقية محلية وأخرى دولية، بما فيها تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة[10] التابعة للأمم المتحدة حول سوريا، أن هذه الفصائل متورطة في جرائم قتل خارج نطاق القانون، واستهداف المدنيين في منطقة عفرين بانتهاكات مختلفة على أساس عرقي.
وكانت التعيينات الجديدة لهؤلاء الأشخاص، بالإضافة لأحمد الهايس (أبوحاتم شقرا) ومتورطين آخرين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، قد أثارت سخطاً وغضباً بين طيف واسع من الناشطين/ ات السوريين/ات والمنظمات الحقوقية وروابط الضحايا[11]، واعتبرت نكسة عميقة لمسار العدالة الانتقالية في سوريا لتولي شخصيات متورطة بارتكاب انتهاكات جسيمة ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مناصب رفيعة ضمن مؤسسات الدولة، كما يعد إعادة لإنتاج العنف والاستبداد وتكريس لسياسة الإفلات من العقاب التي انتهجها النظام السابق.
تعتقد منظمة إنسايت أن العقوبات الحديثة من جانب الاتحاد الأوروبي تعد خطوة تصحيحية وداعمة لمسار العدالة الانتقالية في سوريا، وإنصاف للضحايا وذويهم بمحاسبة المتورطين بارتكاب جرائم بحق السوريين/ات، وتبقى العدالة هي الضمانة الوحيدة لإعادة بناء سوريا آمنة يسودها القانون واحترام كرامة الإنسان.