ارتكب الجيش التركي، بعد منتصف ليلة 16-17 آذار/ مارس 2025، جريمة ضد الإنسانية في كوباني شمالي سوريا، حين قتل تسعة مدنيين من عائلة واحدة، غالبيتهم أطفال، ونجت طفلتان من القذائف التي أطلقتها عليهم مباشرة طائرة مسيّرة تركية.
الضحايا كانوا قد فروا من القذائف التي أطلقتها القوات التركية ومسلحون سوريون خاضعون لأوامرها، ما يجعل هوية الضحايا كمدنيين وأطفال واضحة للجهة المهاجمة التي راقبتهم وتتبعتهم، ولمُنفّذي القتل عبر الطائرة المسيّرة كون الضحايا مكشوفين في العراء.
تابعت إنسايت تفاصيل الجريمة عبر ناشطين في كوباني ومقربين من الضحايا، وحصلت على عدة شهادات من سكان في الريف الجنوبي للمدينة حيث تمت الجريمة بحق عائلة الزوجين المزارعين عثمان بركل عبدو وغزالة أوصمان عبدو اللذين كانا يعملان جاهدين لتأمين عيش أطفالهما من خلال العمل في إحدى المزارع.
وأعدت المنظمة هذا التقرير لإيمانها أن توثيق الانتهاكات يحول أو يحد منها، ويؤثر على سياسات الحكومات من خلال إبراز أصوات ذوي الضحايا والناجين والمهدّدين.
وكما لم ينجح نظام بشار الأسد في تبرير جرائمه وانتهاكاته واستبداده بضرورة الحفاظ على الاستقرار، لا يمكن لأي جهة أخرى تبرير الانتهاكات والجرائم لخنق إرادات سياسية سلمية وتنفيذ انتصارات مفترضة على حساب الضحايا.
تركيا تقتل عائلة بأسرها
خلال ساعات ما بعد إفطار رمضان 16 آذار، سقطت قذائف على مزرعة مملوكة للسيد شيراز قاسملو تقع ما بين قريتي قومجي وبرخ بوطان وتبعد نحو 27 كم جنوب كوباني المدينة.
عائلة عثمان بركل عبدو، المعروف أيضاً باسم أبو إسكندر، تعمل في المزرعة وتتألف من الأبوين وتسعة أطفال (ست إناث وثلاثة ذكور)، فرت من المزرعة التي طالتها القذائف نحو تضاريس منخفضة (وادي أو مجرى نهر قديم).
لم نتأكد من وجود مصابين في القصف المدفعي الذي قال ناشطون إنه انطلق من قاعدة عسكرية تركية في قرية الهوشرية شمال شرق مدينة منبج، لكن القصف كان عنيفاً وتسبب بأضرار مادية ونفوق دجاج وكلاب، بحسب صاحب المزرعة الذي زارها صباح اليوم التالي.
وعقب بحثهم عن بقعة آمنة في العراء، يبدو أن رب الأسرة اختار مكاناً منخفضاً على اعتبار الأماكن المنخفضة القريبة من الأرض أكثر أمناً خلال القصف المدفعي.
لكن طائرة مسيّرة تركية، يرجّح أنها تعقّبت الضحايا، قصفت في الساعة 12:40 بعد منتصف الليل الأطفال ووالديهم، فقتلت الأشقاء: فواز (عامان)، وياسر (6 أعوام)، ودلوفان (13 عاماً)، وشقيقاتهم: الرضيعة أفستا (8 أشهر)، وصالحة (4 أعوام)، ودجلة (14 عاماً)، وآهين (15 عاماً)، والوالدين: عثمان بركل عبدو (42 عاماً) وغزالة أوصمان عبدو (39 عام).
وأصيبت في القصف الشقيقتان نارين (9 أعوام)، ورونيدا (18 عاماً)، والتي نقل مقربون من العائلة عن مصادر طبية أن جروحها بليغة وأنها ستحتاج في حال نجاتها لرعاية طويلة الأمد.
ونقل الشهود وأوضحت الصور أن الجثامين تمزقت إلى أشلاء وأعضاء مبتورة، ما يوضح مرة أخرى خطورة وقسوة الجرائم خلال العمليات التي ينفذها الجيش التركي ضد المدنيين في مناطق شمال وشرق سوريا بذريعة محاربة الإرهاب والحفاظ على أمنها القومي.
والضحايا جميعهم من عائلة كردية تنحدر من قرية كرك بريف كوباني، الأب المتوفي في الاستهداف كان مصاباً بشظايا خلال الحرب في سوريا، وأكبر بناته (مصابة في الاستهداف) تعمل في قوى الأمن الداخلي في ناحية صرين وكانت تقضي إجازة مع عائلتها.
تركيا قتلت الأطفال
يقول أحد مالكي المزرعة حمودة قاسملو في لقاء مصور عبر إذاعة آرتا المحلية في كوباني: ” في العام 2025 تقتل تركيا أطفالاً بعمر 3 أشهر وأربعة أعوام بتهمة أنهم إرهابيون.. أبو إسكندر كان بمثابة أخي.. كانت أوضاعه المادية تحت الصفر وكان يعمل للقمة الخبز لعائلته”. ويضيف: “المأساة أن تكون غير آمن في منزلك وفي أرضك”.
وتعاني كوباني والمناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية من تراجع في الأعمال مع شح الأمطار هذا الشتاء ونقص الكهرباء والوقود، وخصوصاً مع استقبال المنطقة نازحين من منطقتي الشهباء ومنبج عقب سيطرة مسلحي الجيش الوطني الموالي لتركيا على تلك المناطق أواخر العام 2024.
وقبيل تنفيذ القوات التركية عملية القتل الجماعي بحق أفراد العائلة جنوبي كوباني، كان السكان الكرد يستعدون لإيقاد شعلة نوروز في اليوم التالي، وهو ما يمثل تفاؤلاً بالمستقبل، لكن الفاجعة دفعت الإدارة الذاتية الحاكمة في المنطقة لإصدار تعميم يقضي بإعلان حداد وتعليق الاحتفالات.
ورغم تمسك السكان بالبقاء في قراهم خلال 14 عاماً من الحرب في سوريا، بما فيها فترة النزوح والعودة خلال هجمات تنظيم داعش على كوباني عامي 2014 و2015، يشهد ريف كوباني الجنوبي حالياً نزوحاً جزئياً للعائلات بسبب القصف التركي المتصاعد خلال العام الحالي 2025. في عدة قرى اعتمدت العائلات على بقاء شخص واحد لحراسة بضعة منازل.
السلام يحتاج لإيقاف القتل
وبالرغم من وجود مسار سلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في تركيا، واتفاق بين الإدارة الانتقالية في سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، صعّدت تركيا استخدام القوة المفرطة والقاتلة في هجماتها ضد المدنيين داخل الأراضي السورية.
ومما وثقته إنسايت من عمليات قتل جماعي لمدنيين عبر استهداف تركي لعائلات في منازلها منذ مطلع العام 2025:
- قصف منزل عائلة في قرية المسرب بريف صرين، مساء 11 كانون الثاني/ يناير، ومقتل أو إصابة جميع أفراد العائلة، إذ توفيت طفلتان تبلغان 12 و13 عاماً ووالدهما، وأصيب خمسة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين عام واحد وعشرة أعوام.
- قصف منازل في قرية الجماس بريف عين عيسى، في 27 يناير، بالمدفعية الثقيلة، أسفر عن استشهاد ثلاثة مدنيين بينهم طفلان اثنان.
- قصف السوق الشعبي في مدينة صرين جنوب كوباني، في 28 يناير، أسفر عن مقتل 12 مدنياً وإصابة 13 مدنياً.
- قصف منزل في الجهة الغربية لمدينة كوباني، في 29 يناير، أسفر عن مقتل رجلين وإصابة امرأة من المدنيين.
- قصف منزل في قرية أشمه بريف كوباني، يوم 1 شباط/فبراير، أسفر عن إصابة سبعة أطفال ورجل وامرأتين بجروح متفاوتة.
- قصف آخر على قرية أشمه، في 8 فبراير، أسفر عن إصابة تسعة مدنيين، هم ستة أطفال ورجلان اثنان وامرأة واحدة.
- وفي اليوم نفسه، 8 فبراير، تعرض منزل في قرية الزيدية بريف تل تمر، شمالي الحسكة، لقصف مدفعي أسفر عن استشهاد امرأة واحدة وإصابة رجلين اثنين من المدنيين.
- حوادث أخرى لقصف مبانٍ وخزان مياه ومدرسة في قرى مأهولة في مناطق شمال وشرقي سوريا.
وطيلة الفترة التي ارتُكبت فيها هذه الجرائم، تضمنت بعض تصريحات مسؤولي الحكومة التركية، لا سيما الرئيس التركي ووزير خارجيته، تهديدات وتعابير عنيفة وعامة، من قبيل “سندفن الكرد مع أسلحتهم” أو “لن نبقي رأساً على كتف وحجراً على حجر”، ما يؤكد أيضاً ارتكابها ضمن ممارسات منهجية. ذلك رغم وجود تصريحات مختلفة عن التعايش واحترام الحقوق.
توصيف قانوني:
يعد شن هذا النوع من الهجمات محظوراً كونه موجه ضد السكان المدنيين وذلك حسب البروتوكول الأول في المادة 51، والبروتوكول الثاني المادة 13.
وكذلك القواعد 11/12/13 من دراسة القانون الدولي الإنساني التي أعدتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتي تحظر الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة والقاعدتين 18/19 المتعلقتين بالتدابير الاحتياطية التي ينبغي اتخاذها في مواجهة آثار الهجمات.
ويعد الاستهداف الذي قامت به تركيا باستهداف مدنيين غالبيتهم من الأطفال جريمة ضد الإنسانية، تبدو عناصرها جلية في عدة عناصر:
- أن العمل غير إنساني في طبيعته وخصائصه وسبب آلاماً شديدة وإصابات خطيرة للجسم أو للصحة البدنية.
- ارتكبت القوات التركية جرائم استهداف أفراد العائلات بأسرها في كوباني وشمال وشرقي سوريا في إطار واسع النطاق وممنهج.
- القصف كان ضد سكان مدنيين في المزرعة بريف كوباني، وتسبب بفقدان 9 منهم حياتهم من بينهم أطفال رضع، كما تسببت بإصابات قد تفضي لمعاناة وألم على المدى الطويل لاثنين من الضحايا، وتكررت مثل هذه الممارسات من قبل القوات التركية على مناطق شمال سوريا.
وترقى الهجمات التركية المتكررة على مناطق شمال شرق سوريا على وجه الخصوص لتكون جريمة حرب وتستوجب المسؤولية الجنائية الفردية أيضاً.
وعلى الحكومة السورية الحالية تحمّل مسؤولياتها تجاه الهجمات التركية المتكررة على الأراضي السورية والتي تتسبب بخسائر في الأرواح والممتلكات، وتوظيف علاقاتها السياسية مع الحكومة التركية لإدانة قتل السوريين وإيقافه.