تسبب القصف التركي في 8 كانون الثاني/ يناير عام 2022 على ريف كوباني شمالي سوريا بإصابة 3 أطفال و3 نساء، من بينهم الطفل عبدو مصطفى حنيفي الذي بترت ساقه اليمنى.
ما حال الطفل بعد أكثر من عامين من الضرر الذي لحق به؟ وهل من سبل للانتصاف وجبر الضرر؟
لا تمييز في الأهداف
كان أفراد أسرة المزارع مصطفى حنيفي (40 عاماً) في منزلهم بقرية قره موغ بريف كوباني حين سقطت القذائف التركية قربهم ما أدى لإصابة ستة منهم.
ومن بين من انتشلهم رب الأسرة وأقرباؤه شقيق عبدو الرضيع الذي لم يتجاوز عمره بضعة أيام، بينما تم إسعاف المصابين الستة للمشافي.
وتسببت القذيفة ببتر ساق الطفل الذي كان آنذاك في سن الرابعة بالإضافة لجروح في رأسه.
وقالت وزارة الدفاع التركية آنذاك على منصة إكس/ تويتر سابقاً إنها استهدفت مواقع عسكرية رداً على مقتل ثلاثة جنود أتراك في انفجار عبوة ناسفة قرب تل أبيض على الحدود السورية التركية، لكن شهادات الناجين وذويهم أشارت لاستهداف منطقة سكنية.
وبالرغم من توقيع تركيا اتفاقيتي وقف إطلاق النار مع كل من واشنطن وروسيا عقب العملية العسكرية التركية “نبع السلام” في تشرين الأول/أكتوبر 2019، إلّا أن هجماتها استمرت عبر القصف المدفعي والطائرات المسيرة والحربية.
وبحسب الشهادات، استخدمت تركيا طائرات مسيرة وقذائف مدفعية في هجوم ذلك اليوم.
وتوجد نقاط للقوات الحكومية في محيط القرية، إلا أن القذائف والطائرات المسيرة التركية استهدفت المنازل في القرية المأهولة بالسكان.
ولم تظهر تركيا في هذه الحادثة ومثيلاتها أي التزام بالقانون الدولي الإنساني، والمعاهدات والقوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين والتمييز بين الأهداف في حالة النزاع، وهو ما يعتبر محظوراً كونه يهدد حياة المدنيين وينتهك حقوق الإنسان الأساسية.
حالة الطفل عبدو هي نموذج عن ضحايا آخرين للقصف التركي قبل إصابته وبعدها، وأظهر تقرير سابق لفريقنا بعنوان “منازل وأعمال لم تعد آمنة.. تركيا تتخذ جغرافيا كاملة كهدف عسكري” أن القوات التركية وسّعت رقعة أهدافها عاماً بعد آخر، ما يهدد حياة المدنيين في المنطقة التي تديرها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حتى خلال ممارسة أنشطة حياتية يومية في منازلهم أو أماكن أعمالهم.
وقال مصطفى حنيفي، وهو والد الطفل عبدو، إن نحو عشرة قذائف تركية سقطت في ذلك اليوم على منازل سكان القرية وقربها.
ورد ناشطون محليون على شبكات التواصل الاجتماعي على المزاعم التركية بحملة مناصرة من خلال نشر هاشتاغ بعنوان “لست إرهابي.. أريد ساقي”.
تكاليف باهظة للعلاج
كان الطفل عبدو حنيفي وقت إصابته في الرابعة من عمره، بينما بلغ هذا العام سن السادسة وهو العمر المحدد لارتياد المدرسة الابتدائية في سوريا.
ووردت في شهادات الأطباء أن ساق الطفل بترت لحظة الإصابة بالقذيفة، ولم تكن مرتبطة بالجسم إلا من خلال الجلد حين وصل المشفى، وإن الطاقم الطبي قام بإنعاش الطفل وفتح الأوردة وإجراء بتر كامل للساق المصابة.
وقال والده إن نوبات الذعر والصراخ تتكرر مع الطفل كلما سمع أصوات الرصاص أو القذائف أو الطائرات، ورغم ذلك عاودت تركيا قصف القرية مع كل تصعيد لها، وكررت استهداف منزل العائلة نفسه في 16 آب/ أغسطس 2022.
واحتاج الطفل لمرافقة مستمرة ورعاية من العائلة، لأنه كان يشعر بالحزن والخوف كلما تُرك وحيداً، أو عندما لا يتمكن من مجاراة الأطفال الآخرين في القفز والجري أثناء اللعب.
وتعهدت هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة للإدارة الذاتية بتأمين مستلزمات معالجة الطفل حنيفي.
ونشر الموقع الرسمي للإدارة الذاتية في أيار/ مايو عام 2022 صوراً قيل إنها لعملية تركيب طرف صناعي للطفل عبدو حنيفي في مدينة الرقة بعد خضوعه لجلسات علاج فيزيائي، لكن الموقع نفسه قال إنه ستتم مراقبة مدى تكيف الطفل مع ساقه الجديدة.
لكن حالة الطفل تحتاج لتأهيل وعلاج لتركيب وتبديل طرف اصطناعي كل عام ونصف العام، بينما سيبقى تركيب ساق صناعية دائمة حتى بلوغه الثامنة عشرة من عمره، بحسب بيان لهيئة الشؤون الاجتماعية والعمل في الإدارة الذاتية.
ولا تستطيع العائلة تحمل تكاليف تركيب وتبديل الأطراف الصناعية لطفلها كل هذه السنوات.
وفي 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ناشد مصطفى حنيفي عبر شبكة رووداو الإعلامية المنظمات الإنسانية للمساعدة في تأمين ساق اصطناعية لابنه كي يتمكن من الركض واللعب كأقرانه.
وينص القانون الإنساني الدولي على مبدأ التمييز في العمليات العسكرية بين المدنيين والعسكريين، لكن المدنيين تعرضوا منذ بدء الصراع في سوريا لخسائر في الأرواح والأعيان، مع غياب برامج جبر الضرر للخروقات التي تقوم بها أكثر من جهة، وصعوبة القيام بتحقيق دولي عاجل نتيجة سوء الأوضاع الأمنية ما يعطل سبل الانتصاف.
ووفق مبادئ بلفاست التوجيهية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 2005 بخصوص جبر الضرر، فإن للضحايا وذويهم الحق في التعويض بأشكال متعددة كإعادة التأهيل، وضمانات عدم التكرار، والتعويض، والترضية.
ورصدت منظمة إنسايت مقتل خمسة أطفال وإصابة 10 أطفال في سوريا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي 2024 بسبب القصف المدفعي والجوي لتركيا وإسرائيل وإيران والأردن وروسيا.