بيان يحث مؤتمر بروكسل الثامن على عدم تهميش شمال شرق سوريا
أبريل 6, 2024اعــتقــالات هيــئة تــحرير الــــشــــــام لمــحتجين في إدلب
مايو 27, 2024تعرض دراسة الحالة هذه، فقدان المدني ولات أحمد قطاش الذي اعتقله مسلحو تنظيم داعش منذ عشرة أعوام، ويُناقش مسؤولية البحث عنه وكشف حقيقة مصيره، وأثر تعثر ذلك على حال والدته.
من المعني بالبحث وتقفي أثر ولات وإنهاء محنة والدته؟ وما سبل الحصول على معلومات مؤكدة؟
فرار من الحرب
تنتظر ياشار منلا نعسان (66 عاماً)، وهي سيدة من كوباني، منذ عشرة أعوام، أي نبأ عن ابنها الذي اعتقله عناصر لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مناطق سيطرته داخل الأراضي السورية أثناء نيته التوجه لإقليم كردستان العراق.
ولات أحمد قطاش من مواليد العام 1992، له وشم “بشكل سكة قطار” على أحد ساعديه، اعتقله مسلحو داعش يوم الأربعاء 19 شباط/ فبراير عام 2014 قرب قرية عالية الواقعة على الطريق الدولي (إم فور) غرب بلدة تل تمر شمال الحسكة.
وعانى ولات وأفراد عائلته من توقف عملهم وشح مصدر دخلهم خلال الحرب في سوريا، وباعوا أرضاً يمتلكونها لدفع تكاليف معالجة والدهم المريض، والذي توفي فيما بعد.
وبداية العام 2014، قرر الشاب التوجه إلى لبنان للعمل، لكن خشيته من اقتياده للخدمة العسكرية في صفوف القوات الحكومية، جعلته يغير وجهته نحو إقليم كردستان العراق.
تقول ياشار: ” كنت أرفض ذهابه، فيرد: وكيف سنتدبر أمورنا في الفترة القادمة؟”.
علمت العائلة، عبر اتصال يوم 21 شباط/ فبراير من أحد الناجين من قافلة السيارات، أن ابنها بات محتجزاً لدى التنظيم وتم نقله لمدينة منبج.
لا تعلم الأم حتى الآن شيئاً عن أصغر أولادها، وتقول إن المصير المجهول للمفقود مؤلم أكثر من حزن الوفاة الذي شعرت به حين توفي والداها وشقيقها.
ويقدر ذوو الضحايا أفراد القافلة الذين اعتقلتهم داعش في ذلك اليوم بأكثر من 150 شخصاً، بينما نجا عدد محدود منهم لكونهن نساء، أو رجال وأطفال برفقتهن.
وتقدر منظمات غير حكومية عدد المفقودين في سوريا منذ العام 2011 بحوالي 130 ألف مفقود، بينما قد يكون العدد الحقيقي أكثر في ظل عدم توفر إحصاءات شاملة.
والإخفاء القسري محظور وفق القاعدة 98 من قواعد القانون الدولي الانساني العرفي، ويعتبر من جرائم الحرب وفق المادة 8 من نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.
كما يصنّف ضمن الجرائم ضد الإنسانية وفق المادة 5 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
“يمر شاب فأذكره“
في آب/ أغسطس من العام2014، توجهت الأم إلى منبج الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش للسؤال عن ابنها، رغم صعوبة ذلك بالنسبة لها كونها لا تجيد اللغة العربية ولا تجيد القراءة.
ولثلاثة أيام متتالية، راجعت مدرسة “زيدان حنيظل” التي اتخذها التنظيم كمحكمة شرعية وسجن.
كانت تسأل مرددة اسم ابنها مع إعطائهم دفتر العائلة، ليخبروها أنه محتجز عند التنظيم منذ ستة أشهر، وهي فعلاً الفترة التي مضت على اعتقاله آنذاك.
“قال لي أحدهم إنه بعهدتهم وعلى قيد الحياة، فهمت من كلماته بالعربية (يأكل ويشرب وينام)”.
علمت الأم من عناصر داعش أن ثمة معتقلين في منبج لكن تم إرسال عدد منهم للرقة، بعضهم في سجن المنصورة، وتم نقل البعض للميادين، أو سجون في مدن وبلدات أخرى.
” في المبنى كانت امرأة أخرى تستفسر عن ولديها المعتقلين، كنا نسمع صراخ مسجونين في القبو، قالت لي لنذهب إلى الباب الشمالي لنسمع صرخات المحتجزين القادمة من القبو بشكل أوضح، قد نستطيع فهم كلمات أو تمييز صوت أحد، قلت لها أخاف من الدواعش المنتشرين في أرجاء المبنى”.
وفي اليوم الرابع عادت المرأة إلى قريتها، “لم يخبروني شيئاً، ولم أكن أجيد الكلام بالعربية.. لم تكن لدي إمكانيات للبحث أكثر، ولا أستطيع محاسبة الدواعش”.
تتمنى ياشار الآن لو تستطيع لبعض الوقت نسيان ابنها الذي تصف ذكراه بالعبء الثقيل في رأسها، حتى تحظى ببعض الاسترخاء والراحة في نومها ومأكلها كباقي الناس.
“أتنقل هنا وهناك فيكون خياله معي، يمر شاب أمامي فأذكره، أزور القرية فأرى أماكن جلوسه ونومه وقيامه، احتفظت بملابسه ومقتنياته في كيس، أوصاني ألا أفرط بها، أتفقدها وأبكي ثم أجمعها كما كانت”.
وفي 15 أيلول/ سبتمبر 2014، فرت العائلة من هجمات التنظيم على كوباني من قريتها “زنار عساف” بريف لكوباني إلى الأراضي التركية.
وقابلت والدة ولات السائق الذي أبلغهم باعتقال ابنها، نجا ذلك اليوم لأن معه نساء ترجين رجال التنظيم أن يتركوه يوصلهن للقامشلي، “قال إن القافلة كانت تضم 10 أو 11 سيارة، بين سير السيارة والأخرى حوالي خمس دقائق، وعناصر داعش المحليين على الحاجز يشاهدون السيارات وربما اعتبروه هجوماً محتملاً”.
وأخبر السائق المرأة أنه لن يعود لأرض سوريا التي ذاق فيها “الخوف ووحشية الدواعش”.
آمال معقودة
عادت ياشار من تركيا في نيسان/ أبريل 2015، لتنقل سكنها لاحقاً إلى حي الشهيد سرحد (حي الجمارك) في مدينة كوباني.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد تمكنت، بدعم من التحالف الدولي ضد داعش، من طرد مسلحي التنظيم من كوباني في السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير عام 2015.
واستأجر شقيق ياشار منزلاً لها في كوباني، حتى لا تبقى في القرية بمفردها، كما أنها سددت الديون السابقة بمساعدة الأقارب.
وشكلت الادارة الذاتية الحاكمة في شمال شرق سوريا لجنة مركزها في مدينة القامشلي، هي المعنية حالياً بالبحث عن المفقودين لدى تنظيم داعش، لاسيما وأن عدد من قياديي تنظيم داعش ممن يملكون معلومات عن المفقودين يقبعون في سجون يشرف عليها التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية.
بدأت اللجنة بإعداد قاعدة بيانات للمفقودين لكنها لم تباشر حتى الآن ما هو مزمع القيام به من الاستعانة بالطب الجنائي ومطابقة الحمض النووي لذوي الضحايا برفات جثث تم انتشالها من مقابر جماعية في مدن الرقة ومنبج ودير الزور.
وقد تشكلت هذه اللجنة استجابة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في29 حزيران/ يونيو من عام 2023 والذي أقر إنشاء مؤسسة دولية مستقلة للكشف عن مصير المفقودين في سوريا .
وعدا عن مشاعر الكرب والأسى التي تكابدها السيدة منلا نعسان بسبب فقدانها ابنها فإن الاختفاء القسري ينتهك حقوقا أخرى للمختفي نفسه كالحق في الأمن والكرامة والحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية والمهينة.
وبحسب المادة 17/1 من إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الصادرعن الجمعية العامة عام 1992، فإن “كل عمل من أعمال الإخفاء القسري يعتبر جريمة مستمرة باستمرار تكتم مرتكبيها على مصير الضحية أو مكان تواجده”، ويعتبر الانتصاف القضائي السريع والفعال ضرورياً لمنع وقوع حالات الاختفاء القسري في جميع الظروف بحسب المادة 9/1من الإعلان المذكور.
ولا يفارق الأمل ذوي الضحايا، تقول ياشار: “لو يفتح الباب ويأتي، فليكن مجنوناً أو مريضاً لا مشكلة، سأدور على الأطباء وأبحث عن الأدوية”.