تعرض دراسة الحالة هذه، مقتل المدني صالح سليم صويلح إثر قصفٍ عشوائي على بلدة بريف الحسكة شمال شرق سوريا نهاية عام 2023. ويُناقش المسؤولية عن الحادثة، وتأثيرها على عائلة الضحية.
هل يُصنَّف ما تعرّض له صالح وعائلته انتهاكاً بحقهم؟ وهل من سُبل للمساءلة وتحقيق العدالة؟
قذائف لا تميّز الأهداف
فقد صالح سليم صويلح (67 عاماً)، حياته متأثراً بإصابته بقذيفة سقطت أمام منزله في الشدادي شمال شرقي سوريا في 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
كان الرجل جالساً منتصف النهار أمام منزله، حين تسببت القذيفة وشظاياها ببتر قدميه وجروح بليغة في جسده.
صالح كان موظفاً حكومياً متقاعداً لدى وزارة النفط السورية، له طفل يبلغ من العمر (10 أعوام)، وهو ابنه الوحيد من زواجه الثاني.
لا يعلم أفراد العائلة والجيران من أين جاءت القذيفة، لكنهم يرجحون مسؤولية الجماعات الموالية لإيران.
وقبل ذلك، تكرر استهداف قاعدة أمريكية على بعد 1كم من الحي، من جانب مجموعات مسلحة تابعة لإيران، تبنت بعضها جماعة “المقاومة الإسلامية العراقية”، وذلك بعد التصعيد في قطاع غزة بفلسطين منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وينتشر الخوف من القصف في المناطق السكنية القريبة من القاعدة الأميركية الواقعة في البلدة، دون جدوى دوي صفارات الإنذار في القاعدة أثناء القصف.
تعرض العديد من الأفراد الآخرين لمخاطر جسيمة بسبب تواجدهم مع الضحية أمام منزله، ومن بينهم زوجته وطفله والجيران الذين عادوا إلى منازلهم في منتصف النهار.
واستغرقت معالجة امرأة من الجيران أسبوعاً، لإصابتها باختناق وبآثار الصدمة، عندما خرجت بعد سقوط القذيفة فاستنشقت الغبار وشاهدت الضحية.
إن القذائف العشوائية التي تستهدف بها أطراف النزاع في سوريا المدن والقرى على أنها هدف عسكري واحد، دون تميز بين النقاط العسكرية والمدنيين والأعيان المدنية، تعتبر ممارسة محظورة في القانون الدولي وأعرافه كونه يهدد حياة المدنيين وينتهك حقوقهم الأساسية ويتسبب بحالة من عدم الأمان .
وتُعرّض الاستهدافات العشوائية المستمرة على مناطق شمال شرقي سوريا السكان لمخاطر إضافية, وتخلق حالة عدم استقرار تؤدي في بعض الأحيان للنزوح إلى أماكن أخرى أكثر أماناً، دون أن تتوفر فيها شروط سكن ومعيشة ملائمة.
“لا تضامن رسمي”
ويعتقد عماد صالح صويلح أن عدة جهات تتحمل مسؤولية غياب المتابعة والتحقيق وجبر الضرر في حادثة مقتل والده في بلدة الشدادي التابعة للحسكة.
عماد قلق حيال مصير أخيه الأصغر غير الشقيق، والذي مازال طفلاً يحتاج الرعاية، بالإضافة لزوجة أبيه التي فقدت معيلها.
وبعد نحو شهرين من الحادثة، يتساءل الابن الأكبر: “من المسؤول عن مقتل والدي؟ لم يزرنا أحد، لم تتم إدانة أحد، ولم نتلقّ أي تضامن رسمي”.
ولم يتبنَّ أي فصيل صراحة إطلاق ثلاثة قذائف سقطت يوم 27- 12- 2023 في الشدادي، أودت إحداها بحياة صالح صويلح، كما لم تعلن الحكومة السورية ولا الإدارة الذاتية اعتبار الضحية ضمن شهدائها.
وتقع غالبية محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا ضمن منطقة نفوذ قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش.
وتسيطر قوات الحكومة السورية على مساحتين ضمن مدينتي الحسكة والقامشلي وعدة قرى جنوب القامشلي، بينما سيطرت تركيا وفصائل المعارضة السورية منذ العام 2019 على منطقة رأس العين/ سري كانيه شمالي المحافظة.
ويقول سالم إسماعيل وهو أحد الجيران: ” كان الرجل المسن يجلس هنا فقط للترويح عن نفسه في مكان مشمس، ليس له علاقة بالأطراف العسكرية ولا السياسية”.
ويعتقد إسماعيل أن القذيفة لم تأتِ من مراكز عسكرية، “هي مجموعات أو خلايا أطلقت هذه القذيفة بشكل عشوائي”.
سبل انتصاف غائبة
وللفقيد ثمانية أولاد ذكور واثنتان إناث من زوجته الأولى المتوفية عام 2008، لكنهم وعائلاتهم تأثروا بالظروف المعيشية الصعبة في المنطقة، ولا يملكون إمكانات تحمل رعاية آخرين.
يطالب عماد بالاعتراف بوالده من ضحايا الحرب (شهيد مدني) أسوة بضحايا الحرب الآخرين، لتتمكن زوجته وطفله الصغير من الحصول على دعم محدود تقدمه الإدارة الذاتية لأفراد عائلات الشهداء، كالمعونات الغذائية أو توفير فرص للعمل في مؤسساتها.
وتشهد المنطقة حالة عدم استقرار بسبب استمرار النزاع على هذه المنطقة بين أطراف متعددة، بالإضافة لتواجد مراكز الاحتجاز والمخيمات التي تؤوي عناصر تنظيم داعش وعائلاتهم.
وينص القانون الإنساني الدولي على مبدأ التمييز في العمليات العسكرية بين المدنيين والعسكريين، لكن منذ بدء الصراع في سوريا تم نسف هذا المبدأ مراراً وتكراراً، وتعرض المدنيون جراء ذلك لخسائر في الأرواح والأعيان، مع غياب برامج جبر الضرر للخروقات التي تقوم بها أكثر من جهة، وصعوبة القيام بتحقيق دولي عاجل نتيجة سوء الأوضاع الأمنية ما يعطل سبل الانتصاف.
ووفق مبادئ بلفاست التوجيهية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 2005 بخصوص جبر الضرر، فإن للضحايا وذويهم الحق في التعويض بأشكال متعددة كإعادة التأهيل، وضمانات عدم التكرار، والتعويض، والترضية.
وفي ظل تشرذم الوضع السياسي السوري وعدم اعتراف المجتمع الدولي بالإدارة الذاتية الحاكمة في شمال وشرق سوريا، لا سبيل كتدبير عاجل سوى حفظ الأدلة وتوثيق الانتهاكات، وعرض تقارير وملفات المتضررين أمام أجهزة الأمم المتحدة كمجلس حقوق الانسان عبر آلياته ولجانه كاللجنة الدولية المستقلة والمحايدة بشأن سوريا، ودعوته لإرسال فرق تقصي حقائق لتتم في مراحل لاحقة محاسبة الجهات المرتكبة للقصف وعدم إفلاتها من العقاب.