تعرض دراسة الحالة هذه، جريمة قتل الشقيقين المدنيين ياسر ونضال محمود سليمان في 7 آذار/ مارس 2025 في ريف طرطوس غربي سوريا خلال عملية عسكرية أعلنتها قوات الحكومة السورية الجديدة ضد جماعات مسلحة تابعة للنظام السابق.
تناقش الدراسة ما تعرض له الضحيتان والتداعيات على والدتهما وأسرتَيهما، من المسؤول عن جريمة القتل؟ وهل من سبل للمساءلة وتحقيق العدالة؟
وبلغ مجموع الضحايا المدنيين الذين سجلت منظمة إنسايت مقتلهم في الساحل السوري، ما بين 6 آذار و6 نيسان، 856 مدنياً/ة، هم 748 رجلاً و68 امرأة و40 طفلاً/ة.
قتل عمد
قام خمسة رجال مسلحين، يوم الجمعة السابع من آذار 2025، باقتياد ياسر محمود سليمان (53 عاماً) وشقيقه نضال محمود سليمان (49 عاماً) من منزلهما في قرية سهل يحمور بريف طرطوس، ليُشاهدا بعد بضع ساعات مقتولَين بطلقات نارية في إحدى شوارع القرية.
الجناة كانوا يرتدون زياً عسكرياً في منطقة تسيطر عليها قوات الحكومة الجديدة منذ إسقاط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كان أربعة منهم ملثمين والخامس مكشوف الوجه، تشير لهجتهم إلى أنهم سوريون.
لا يعلم أفراد العائلة وسكان القرية هوية الجناة، لكنهم يرجحون مسؤولية المجموعات التابعة للقوات الحكومية أو التي دخلت رفقتها للرد على هجمات جماعات مسلحة يدعوها الخطاب الرسمي الحكومي بـ”فلول النظام”.
وجابت قوات الحكومة السورية وفصائل منضمّة لها حديثاً وجماعات مسلحة غير نظامية مؤازرة لها قرى وبلدات وأحياء في اللاذقية وجبلة وطرطوس وبانياس وريف حماة، ونفذت عمليات واسعة للقتل الجماعي والاعتقال والنهب في أحياء وقرى كاملة، وترقى هذه الممارسات إلى جريمة حرب، وثقها أيضاً تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في 3 نيسان/أبريل الجاري.
عدم تمييز
الأسئلة التي سبقت اقتياد الضحيتين كانت عن محتويات المنزل، إلا أنهم لم يأخذوا سوى محفظة أحد الضحيتين ومفاتيح سيارته، ولم تتم سرقة أموال أو أي شيء من المنزل، ما يُرجّح أن دافع اقتيادهما ثم قتلهما لم يكن السرقة.
رغم ذلك، قال شاهد إن الأهالي الفارين من القرية اكتشفوا بعد عودتهم أن غالبية المنازل تعرضت لسرقة بعض محتوياتها.
وعثر أشخاص على سيارة الضحيتين ياسر ونضال بعد أيام وسط مدينة بانياس، كانت معطلة حين العثور عليها.
وروت والدتهما البالغة من العمر (80 عاماً) أأنها مَن فتحت الباب للمسلحين حوالي العاشرة صباحاً بعد سماعها أصوات إطلاق النار في شوارع القرية.
ورغم سماعها بانتشار القوات الحكومية في القرى المجاورة منذ يوم سابق لم تكن تتوقع قتل ولديها لأنهما مدنيان ولا علاقة لهما بالجرائم والعمليات القتالية التي نفذها النظام السابق والجماعات الموالية له. هم لم يسألوا حتى إن كانوا عسكريين أم مدنيين.
وصرخ المسلحون على الأم المسنة أن تعود حين تبعتهم، لتبقى تصرخ في دارها وأمامه حتى قام بعض الأقارب بسحب جثمانيهما ودفنهما على عجل في أرض قريبة، دون إقامة مراسم دفن أو عزاء تشاركية كما هو معتاد.
وفي حالة الضحيتين ياسر ونضال، تم اقتيادهما من منزلهما رغم عدم وجود أي إشارة لتهديد، فهما لم يكونا مسلحين ولم النار ولم يتواجدا في ميدان اشتباك عسكري، ما يعني أن القتل العمد تم دون تميز بين النقاط العسكرية والأعيان المدنية، وهي ممارسة محظورة في القانون الدولي وأعرافه كونها تؤدي لفقدان أبرياء لحياتهم، فضلاً عن نشر حالة عدم الأمان وعرقلة جهود بناء السلام وتعافي المجتمعات من ويلات الحرب.
يقدّر أحد أفراد العائلة بأن الشقيقين لم يفكرا بالفرار قبل وصول المسلحين للقرى المجاورة في يوم سابق لأنهما كانا مطمئنّين، ” لم تكن لهما أي مشاركة في الحرب السورية، وكانا قد أنهيا الخدمة الإلزامية ضمن الجيش قبل العام 2011، وحتى مع الطَّرق على الباب اعتبرت الوالدة أن سبب قدوم القوات هو التفتيش كإجراء روتيني لا أكثر”.
عدالة مؤجلة
يروي شاهد أن أحد الجثمانين كان يحمل عدة طلقات إحداهن في الرأس، بينما تبدو آثار طلقتين في الظهر والرقبة على الجثمان الآخر ما يعني تعرضه لإطلاق نار من الخلف، “ربما حاول الهرب للنجاة، أو التفت أحدهما للآخر حين إطلاق النار”.
وكانت العائلة من أولى العائلات التي نعت أبنائها، إذ فر كثيرون من ذوي الضحايا للأراضي الزراعية والأحراش ولم يعلموا بمصير أبنائهم إلا بعد أيام من قتلهم.
ورغم تعرض قوات الحكومة الانتقالية لهجمات وكمائن دفعتها للرد بعملية أمنية، إلا أن زج كل المجموعات في الحرب لم يكن متناسباً مع ما حدث، كما أن الأسلحة المستخدمة من رصاص وقذائف ومدافع وطائرات مسيّرة وحربية وسعة المناطق المستهدفة لم يكن متناسباً مع ملاحقة مجموعات معينة.
واستمرت أعمال القتل حتى بعد إعلان الحكومة في دمشق نيتها محاسبة مرتكبي الانتهاكات خلال عمليتها العسكرية وتشكيل لجنة تحقيق لتقصي الحقائق، إذ شهدت قرية سهل يحمور نفسها يوم 20 آذار الفائت إطلاق مسلحين، كانوا يستقلون سيارة، النار مباشرة على الشابين علي ياسر معنا وطارق غالب معنا، ما أدى لوفاتهما.
وينقل شهود أن بعض النازحين لم يعودوا لمنازلهم بعد شهر من بدء العمليات العسكرية، ورغم تراجع حدة وسعة الانتهاكات إلا أنها لم تتوقف، ما يقيّد حركة السكان وممارسة أعمالهم وتنقلهم، ذلك في ظروف معيشية بالغة القسوة.
كلا الضحيتين ياسر ونضال مدنيان ومعيلان لأسرتيهما، كان ياسر موظفاً في القطاع الصحي متزوج وله ثلاثة أبناء/بنات، ونضال مزارع وله ثلاثة أبناء/بنات.
يؤكد العنف الذي طال المناطق التي يقطنها السوريون العلويون على الحاجة الملحة للعدالة والمساءلة ويجب أن تشمل المساءلة عن الفظائع كافة الأطراف بما في ذلك الجهات مثل “هيئة تحرير الشام” و “فصائل الجيش الوطني السوري” والتي تشكل الآن قوات الجيش والأمن السورية الجديدة، والتي لديها تاريخ موثق من الانتهاكات الحقوقية وانتهاكات القانون الدولي وهذا ما أكدت تقارير لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة، وتقارير منظمات حقوقية كتقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في العاشر من آذار/مارس الماضي.
جهود العدالة تحتاج إلى معالجة الانتهاكات الماضية والمستمرة وضمان محاسبة المعتدين وتعويض وإنصاف الضحايا وأسرهم.