المقدمة والمنهجية:
يسلط التقرير السنوي الصادر عن منظمة إنسايت الضوء على انتهاكات حدثت خلال النزاع في سوريا في العام 2024، وقيام أطراف النزاع السورية والدول المتدخلة في البلاد بانتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني خلال الأعمال العسكرية والأمنية قبيل سقوط نظام بشار الأسد.
وترقى بعض هذه الانتهاكات، لا سيما القتل العمد والقصف العشوائي واستهداف سبل العيش والبنى التحتية، لتصنيفها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلى جانب الاعتقال غير القانوني الذي تحول في كثير من الحالات إلى ابتزاز مالي أو إخفاء قسري وتعذيب واغتصاب وقتل.
وبعد 13 عاماً من الحرب وتداعياتها، تفاقمت الفجوة بين السكان وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فبقيت البلاد تعاني نقصاً في الغذاء والخدمات الصحية والمياه النظيفة والأمان، وعدم تمكن النازحين/ات داخلياً من عدة مناطق العودة لمنازلهم وممتلكاتهم.
ويتضمن التقرير أعداد القتلى والمصابين في صفوف المدنيين السوريين للحالات التي تمكن الفريق من توثيقها، وتحليل البيانات المتعلقة بكيفية سقوط المدنيين/ات ضحايا في النزاع بين الأطراف المسلحة، ويعرض أعداد من تم اعتقالهم/هن في البلاد بشكل غير قانوني وضمن سياق النزاع، كما يُقدّم التقرير بيانات عن نشاط تنظيم “داعش” في سوريا خلال العام 2024.
ويهدف التقرير لعدم إغفال ضرورة وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية، وتفعيل آليات العدالة في بناء سوريا الجديدة لوقف الانتهاكات أو الحد منها بنسبة كبيرة عن طريق عدم إتلاف الأدلة وضمان عدم إفلات الجناة، فحماية حقوق الإنسان ليست عملية توثيقية فحسب بل هي ركيزة لبناء سلام مستدام.
ويستند التقرير على قواعد بيانات منظمة إنسايت، التي تم جمعها من المصادر المفتوحة وشهادات الناجين/ات وذوي الضحايا والناشطين/ات، وعرضت تقارير دورية سابقة بعضها خلال العام، وتم التحقق منها كل شهر وإعادة مراجعتها خلال كانون الثاني/ يناير 2025.
ولا تزعم إنسايت أن الأعداد المعروضة إحصائية شاملة بل نعتقد أن الأعداد الحقيقية للضحايا أكثر مما تكمنّ فريقنا من رصده، ويمكن للتقرير أن يقدّم مؤشرات على استمرار أصناف الانتهاكات وتوزعها بحسب تصنيفات محددة بحسب الفئات أو الأحداث أو المنطقة أو الفترة الزمنية.
أطراف النزاع:
توزعت أطراف النزاع الرئيسة في سوريا خلال العام 2024 على نظام الرئيس بشار الأسد وسط وجنوب البلاد، وهيئة تحرير الشام في إدلب وأجزاء من ريفها شمال غربي البلاد، والجيش الوطني المعارض المدعوم من تركيا بريف حلب شمال وغرب البلاد، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة شمال وشرق البلاد.
وتضاف للأطراف السابقة مجموعات مسلحة أخرى أقل نفوذاً من حيث المساحة وعدد السكان في منطقة سيطرتها، كالمجموعات المسلحة المحلية في درعا والسويداء جنوبي سوريا، وتنظيم “داعش” في البادية وشرقي البلاد، وتنظيمات متشددة في منطقة إدلب، وجيش سوريا الحرة في التنف قرب الحدود العراقية، ومجموعات أخرى داعمة للنظام السوري كالدفاع الوطني والمجموعات الموالية لحزب الله اللبناني.
وبقيت قائمة الدول المتدخلة في الحرب تشمل بشكل رئيسي إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن سقوط النظام في 8 كانون الأول/ ديسمبر أدى لانهيار الجيش السوري وحلفائه من القوات الإيرانية ثم تراجع فاعلية القوات الروسية في الوقت الذي تصاعد تدخل كل من تركيا وإسرائيل.
الضحايا المدنيون في النزاع في سوريا خلال العام 2024:
سجل قسم التوثيق بمنظمة إنسايت، خلال العام 2024، وقوع 2834 مدنياً ضحايا للنزاع والاقتتال والأعمال العدائية، قُتل 1157 مدنياً سورياً منهم وأصيب 1677 مدنياً سورياً منهم.
وتضم قوائم القتلى المدنيين أطفالاً ونساءً بنسبة تتجاوز 32% (19 % أطفال و13 % نساء)، بينما تصل نسبة من أصيبوا من الأطفال والنساء إلى 34% (أكثر من 22 % أطفال وما يقارب 12 % نساء).
ويكشف توزع الضحايا المدنيين في سوريا للعام 2024 بحسب النوع الاجتماعي، قتل 798 رجلاً، و142 امرأة، و217 طفلاً، وإصابة 1112 رجلاً، و189 امرأة، و376 طفلاً.
مرة أخرى تؤكد هذه البيانات انتهاك القانون الإنساني الدولي، فلا تمييز بين الأهداف ولا تدابير لحماية المدنيين ولا يوجد تناسب بين السعي لتحقيق نصر أو تقدم عسكري وعدد الضحايا بين المدنيين. كما يعد من جرائم الابادة الجماعية وفق المادة 6 الفقرة ج من نظام روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية “إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً”.
ويبقى توثيق أعداد الضحايا من جانب المنظمات المحلية والدولية مهماً للمرحلة المقبلة مع انعطاف الواقع السوري لمنحى آخر بعد سقوط نظام بشار الأسد، إذ تحقق وقف إطلاق النار وتخفيض التصعيد العسكري في معظم أرجاء البلاد ما عدا الهجمات التي يشنها الجيش الوطني بدعم من تركيا على سد تشرين القريب من منبج وكوباني في الشمال، والحملات الأمنية لقوات سوريا الديمقراطية والقوات التابعة لحكومة تصريف الأعمال والإدارة الجديدة في البلاد. ورغم ذلك تستمر انتهاكات حقوق الإنسان في العديد من المناطق السورية المختلفة.
وعانى السوريون من ويلات الحرب ومن الاختفاء القسري والتعذيب في السجون والاعتقالات التعسفية والترحيل القسري، وأثقل كاهلهم وضع اقتصادي متردي فاقمته العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على نظام الأسد وكيانات ومؤسسات سورية.
وبسقوط النظام السابق في دمشق، عبرت شخصيات ومجتمعات عن مخاوفها من فرض قيود على الحريات العامة بسبب ضبابية سياسات الإدارة الجديدة التي حرصت على إرسال تطمينات عبر وسائل الإعلام، رغم وقوع حوادث انتقامية وطائفية.
مسببات وفاة أو إصابة الضحايا:
ويظهر تحليل البيانات بحسب طبيعة الممارسات التي أدت لوفاة الضحايا أو إصابتهم/هن أن العدد الأكبر من القتلى كان بسبب الاستهداف المباشر بالأسلحة الخفيفة (429 مدنياً)، وهو شكل من أشكال القتل العمد على يد الأطراف المختلفة في النزاع التي لم تلتزم بالتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين.
التصنيف الثاني الأكبر عدداً من حيث القتلى كان نتيجة القصف المدفعي والجوي الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 295 مدنياً، ومرة أخرى يظهر أن القصف يستهدف مساحات جغرافية بحسب مناطق السيطرة دون التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية.
وفي مرات كثيرة، لم توجد فترات ولا أهداف مكانية محددة للقصف ولم تتخذ الجهات المهاجمة الاحتياطات والتدابير اللازمة لحماية المدنيين أو تقليل أعداد الضحايا، وهو ما منع المدنيين من طلب الحماية والحصول عليها من خلال الابتعاد عن المناطق المستهدفة.
وكان التقرير السنوي السابق 2023 لفريق التوثيق نفسه قد أفاد بأن القصف تسبب بوقوع العدد الأكبر من الضحايا المدنيين، يليه الاستهداف المباشر بالأسلحة.
ورغم عدم حدوث تغييرات كبيرة في مناطق النفوذ خلال العام 2024 باستثناء الشهر الأخير (ديسمبر)، كان المسبب الثالث لسقوط الضحايا المدنيين هو انفجار مخلفات الحرب، وهو ما يشير بوضوح لاستمرار تهديد حياة المدنيين في عدة مناطق، وقد تكون بعض الألغام والذخائر من سنوات سابقة أو تم زراعتها حديثاً كما يجري في الهجمات التي تشنها خلايا تنظيم “داعش” أو الأطراف الأخرى.
ضحايا القصف:
وخلفت عمليات القصف الجوي والمدفعي 1111من الضحايا المدنيين، هم 295 قتيل/ة و816 مصاب/ة، وسط استمرار الدول المتدخلة في النزاع بشن الهجمات الجوية بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر.
وتوزع الضحايا على 228 مدنياً في مناطق سيطرة النظام (82 قتيل/ة و146 مصاب/ة)، و249 في منطقة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (74 قتيل/ة و175 مصاب/ة)، و45 في منطقة سيطرة الجيش الوطني (16 قتيل/ة و29 مصاب/ة)، و589 في منطقة سيطرة هيئة تحرير الشام (123قتيل/ة و466 مصاب/ة).
وفي كثير من الانتهاكات كان القصف المدفعي والجوي، بالإضافة لقتل وإصابة المدنيين الأبرياء، سبباً لتدمير الممتلكات والمنازل والبنى التحتية الضرورية لعيش السكان الأصليين والنازحين داخلياً في أرجاء سوريا.
ومن جانب آخر يمثل القصف استعداء مقصوداً أو غير مقصود لأحد أطراف النزاع والمدنيين في منطقة نفوذه بينما يصب في مصلحة طرف آخر، وهو ما أدى لعودة الأعمال القتالية على الأرض وبالتالي ارتكاب صنوف انتهاكات جديدة.
وخلال العام 2024، قصفت أطراف النزاع والدول المتدخلة في سوريا 2199 موقعاً في أرجاء البلاد.
وفي مناطق سيطرة النظام، تعرض451 موقعاً للقصف الجوي أو المدفعي، وتنوعت تلك المواقع بين 219 موقعاً قصفتها إسرائيل وعللت ذلك غالباً أنها تضم فصائل إيرانية أو أنها تدعم حزب الله اللبناني عسكرياً، و102 موقعاً استهدفها التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” رداً على استهداف الفصائل الموالية لإيران لمواقع التحالف.
واستهدفت هيئة تحرير الشام 63 موقعاً بالقصف المدفعي، وقوات المعارضة المدعومة من تركيا 12 موقعاً ضمن مناطق سيطرة قوات نظام بشار الأسد.
واستهدفت الأردن بغارات جوية 10 مواقع جنوبي سوريا في إطار مكافحتها لتهريب المخدرات من سوريا إلى أراضيها، وسجلت إنسايت قصف 45 موقعاً آخر في مناطق سيطرة الحكومة، غالبيتها شرقي سوريا، دون التمكن من تحديد الجهة المنفذة.
ورغم أن البيانات تشير إلى أن غالبية الأهداف العسكرية والأمنية كانت تضم مدنيين أو بالقرب من مساكن أو أنشطة أعمال للضحايا المدنيين الذين قُتلوا أو أصيبوا في عمليات القصف.
وفي منطقة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، تم تسجيل قصف 1129 موقع، أعنفها لهجمات تركيا بالطائرات الحربية والمسيرة والضربات المدفعية على 378 موقع، تم تكرر استهداف بعضها خلال أوقات مختلفة من العام.
ويضاف إليها 693 موقعاً في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، استهدفها الجيش الوطني الموالي لتركيا بالمدافع والقذائف.
واستهدفت “المقاومة الإسلامية في العراق” 21 موقعاً للتحالف الدولي والقوات الأميركية، إلى جانب استهداف قوات النظام والفصائل الموالية لإيران 12 موقع، كما تم تسجيل قصف 25 موقعاً آخر دون التعرف على الجهة المنفذة.
وفي مناطق سيطرة الجيش الوطني المدعوم من تركيا، تعرض 46 موقعاً على الأقل لقصف مدفعي وجوي، قصفت قوات النظام 24 منها، وقوات سوريا الديمقراطية 11 منها، والقوات الروسية 2 موقع، بينما لم يتمكن فريق إنسايت من تحديد الجهة المنفذة لقصف 9 مواقع أخرى.
وفي مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام ما قبل عمليتها “ردع العدوان” أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، استهدفت عمليات القصف 573 موقعاً، نفذت قوات النظام قصف 481 منها، وقصفت القوات الروسية 87 موقعاً، والفصائل الموالية لإيران 2 موقع، وقصف التحالف الدولي 1 موقع، بينما لم يتم تحديد الجهة المنفذة لقصف 2 موقع.
الاعتقال التعسفي:
سجلت إنسايت اعتقال 2028 مدنياً سورياً على أيدي أطراف النزاع في سوريا خلال العام 2024، بما فيها حالات التوقيف المؤقت لأيام وتلك التي أدت للإفراج بعد دفع مبالغ مالية.
ويتوزع العدد على 802 حالة اعتقال لمدنيين/ات على يد الجيش الوطني المدعوم من تركيا، غالبيتها بتهم التعامل مع الإدارة الذاتية أو الامتناع عن دفع المبالغ المفروضة على المواسم الزراعية والأعمال أو محاولة اجتياز الحدود السورية التركية بطرق غير نظامية.
و750 معتقلاً/ مدنياً على يد الأجهزة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام، غالبيتهم بتهم المشاركة في الاحتجاجات ضد الهيئة أو العمالة لجهات أخرى.
و159 معتقلاً مدنياً على يد الأجهزة الأمنية التابعة للنظام والفصائل الموالية لإيران، بتهم التواصل مع جهات معادية أو تداول غير رسمي للعملات الأجنبية، إلى جانب تجديد اتهامات سابقة بالإرهاب ومعاداة الجيش بحق بعض اللاجئين الذين اضطروا للعودة من لبنان.
و29 معتقلاً مدنياً على يد قوات سوريا الديمقراطية، غالبيتهم بتهم الانتماء لتنظيم “داعش” أو المشاركة مع موالين لإيران في قتال قوات “قسد” في دير الزور.
كما اعتقلت مجموعات مسلحة محلية في جنوبي سوريا 16 مدنياً على الأقل، واختطف تنظيم “داعش” 6 رجال مدنيين.
واعتقلت القوات التركية 255 مدنياً سورياً، جرى نقل 132 منهم إلى داخل الأراضي التركية، واعتقلت القوات الأردنية 6 مدنيين سوريين، واعتقلت القوات الإسرائيلية 5 مدنيين سوريين.
وسمحت عملية إسقاط نظام بشار الأسد بالإفراج عن المعتقلين/ات في مناطق سيطرة قوات الحكومة السابقة، لكن العديد من السجون والمعتقلات في مناطق السيطرة المختلفة والتي لم يتم تسليط الضوء عليها، كسجن الراعي شمال غرب سوريا، ربما تعج بالأبرياء.
إن الحق في محاكمة عادلة هو أبرز حقوق الإنسان التي وردت في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وتنص قواعد “مانديلا” التي اقرت في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015 على”عدم اخضاع أي سجين/ة للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة مهما كان المسوغ “، وهو ما تضمنته قواعد “بانكوك” السبعون لمعاملة السجينات والتدابير غير الاحتجازية للمجرمات والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2010.
تنظيم “داعش”:
شن تنظيم “داعش”، خلال العام 2024، 253 هجوماً أسفر عن قتل وإصابة 856 شخصاً ما بين مدني وعسكري من أطراف مختلفة للنزاع في سوريا.
ويوضح توزع الهجمات على أشهر العام، نشاط خلايا تنظيم “داعش” خلال الأشهر الثلاثة الأولى وانخفاضها بعد ذلك، ثم العودة لتصعيد عملياته ما بين أيلول/ سبتمبر ونهاية العام.
وبلغ عدد الضحايا المدنيين في هجمات تنظيم “داعش” في العام 2024، خلال العام 2024، 81 مدنياً بين قتلى ومصابين، بعضهم كان في المدن والقرى المختلفة والبعض عند البحث وجمع ثمرة الكمأة.
وبلغ إجمالي عدد العمليات ضد تنظيم “داعش” 108 عملية ومداهمة، نفذ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية 9 منها، بالإضافة لـ 52 عملية لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة منها، و34 عملية مشتركة بين الجانبين.
وشنت القوات الروسية 6 عمليات ضد تنظيم “داعش”، بالإضافة ل 1 عملية نفذتها قوات النظام السابق، و3 عمليات مشتركة بين الجانبين، وعملية 1 لمجموعات محلية جنوبي سوريا ضد مسلحي “داعش”.
كما شنت الفصائل الموالية لإيران 1 هجوماً ضد “داعش”، ونفذت القوات التركية اعتقالاً لأحد عناصر التنظيم.
وبلغ عدد العائلات الخارجة من مخيم الهول الذي يضم عائلات المنضمين لتنظيم “داعش” 766 عائلة كانت تضم 2291 فرداً، غالبيتهم نساء وأطفال. كما سلّمت الإدارة الذاتية 221 طفلاً و56 امرأة للدول الأجنبية التي ينحدرون منها.
الضحايا الأطفال:
تسبب النزاع في سوريا بمقتل 217 طفلاً/ة على الأقل وإصابة 376 طفلاً/ة واعتقال 54 طفلاً/ة خلال العام 2024 الذي كان أحد أسوأ الأعوام ذات التأثير المدمر على الأطفال في النزاعات في العالم بحسب اليونيسف ومؤشر السلام العالمي.
غالبية هؤلاء الأطفال أصبحوا ضحايا في عمليات القصف وانفجار مخلفات الحرب في سوريا، وما من عذر لقتلهم أو إصابتهم أو اعتقالهم حتى ضمن التقييمات القتالية لأطراف النزاع وسعيها لتحقيق تفوق عسكري.
وقُتل العديد من هؤلاء الأطفال في منازلهم وبعضهم فقد الحياة أو أصيب مع آخرين من أفراد أسرهم التي كانت تكافح لأجل الحفاظ على سلامتهم حتى انتهاء الحرب.
وإلى جانب التأثيرات المباشرة للعمليات القتالية كتجنيد الأطفال والنزوح القسري واعتقال عشرات الأطفال رفقة أقاربهم أو بمفردهم، حُرم الملايين من الأطفال السوريين من حق التعليم بسبب النزوح والفقر المدقع وزادت معدلات التشرد والتسرب من المدارس والتسول، كما حرموا من الرعاية الصحية، بما فيها اللقاحات المنقذة للحياة وإصابات التقزّم وسوء التغذية الحاد.
كما لا يزال 5 ملايين طفل سوري يواجهون في مناطقهم مخاطر انفجار نحو 324 ألف قطعة من مخلفات الحرب القاتلة ما بين ذخائر غير منفجرة وألغام، بحسب اليونيسف.
ورصد فريقنا حوادث وفاة وإصابة لأطفال بسبب الرصاص العشوائي، مرده السلاح المنفلت بأيدي السكان، واستخدامه دون ضوابط صارمة من كل الجهات الحاكمة في سوريا.
المرأة:
تسبب النزاع في سوريا بمقتل 142 امرأة على الأقل وإصابة 189 امرأة واعتقال 154 امرأة خلال العام 2024.
وفي الوقت الذي استمر العنف الاجتماعي أيضاً، عانت السوريات بسبب النزاع وتداعياته المختلفة من نزوح وظروف معيشية قاسية وفقدان المعيلين وارتفاع نسبة العاملات في أعمال شاقة كالعتالة وأخرى غير قانونية كالدعارة وترويج المخدرات.
وبالإضافة لكونهن فتيات أو نساء، وقعت الانتهاكات ضد الضحايا لعوامل أخرى تتعلق بانتماءاتهن العرقية أو الطائفية أو أماكن العيش والعمل.
ورغم حظر المادة 3 من اتفاقية جنيف الثالثة القتل والاعتداء على السلامة البدنية والإيذاء، لكن العشرات من المدنيين أغلبهم أطفال ونساء فقدوا حياتهم بسبب قصف الطيران المسير التركي لمنطقة شمال وشرق سوريا. وتحظر المادة 25 من اتفاقية لاهاي مهاجمة أو قصف المدن والقرى والأماكن السكنية والمباني المجردة من وسائل الدفاع، أياً كانت الوسيلة المستعملة.
ولم تتمكن إنسايت من توثيق سوى حالة اغتصاب واحدة، في حين أننا متأكدون من وجود العديد من الحالات التي لم نصل إليها بسبب العوامل الاجتماعية التي تقاوم توثيق هذه الانتهاكات.
وبعد إسقاط الأسد في 8 ديسمبر، عبرت ناشطات عن مخاوفهن فيما يتعلق بالمساحات المتاحة لدور المرأة في مستقبل سوريا الجديدة، وذلك على خلفية بعض التصريحات من قادة الحكومة الجديدة والحملات الدعوية الدينية في العديد من المناطق والتي تدعو لفرض قيود على حرية النساء.
وفي الوقت الذي تطالب فيه السوريات بإلغاء التمييز القانوني بحقهن، لا يزال قانون الجنسية السوري لا يجيز منح الأم السورية جنسيتها لأولادها، ومن آثاره حرمان آلاف السوريات المتزوجات من أجانب فروا أو قتلوا أثناء المعارك من تثبيت نسب أولادهن.
النازحون واللاجئون:
رصدت منظمة إنسايت حالات نزوح جديدة أثناء التصعيد العسكري خلال العام 2024، كالنزوح لمسافات غير بعيدة في ريفي إدلب ودير الزور على خلفية توترات أمنية وعسكرية.
كما تسببت هجمات الجيش الوطني في ريف حلب الشمالي منذ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر بنزوح جديد لعائلات كانت قد فرت من العملية العسكرية التركية عام 2019 في عفرين.
ورصد الفريق وصول نحو 100 ألف شخص من نازحي عفرين وريف حلب الشهباء لمناطق شرق الفرات، وزاد العدد بعد نزوح عائلات أخرى من مدينة منبج وريفها عقب سيطرة الجيش الوطني عليها.
وتوجهت العائلات لمدينة حلب، أو عادت لمنطقة عفرين رغم يقين العديد من أفرادها أنهم سيتعرضون لانتهاكات وابتزاز مالي.
وطوال العام ارتكبت فصائل الجيش الوطني شتى صنوف الانتهاكات في عفرين، ثم في الشهباء ومنبج بعد السيطرة عليها، تمثلت في أعمال قتل واعتقال واعتداءات جسدية ومعنوية، إلى جانب أعمال السلب والابتزاز من خلال فرض المبالغ المالية (الإتاوات والفدى) على السكان.
وبالتزامن مع الانتهاكات التي تسببت بفرار المزيد من السكان الأصليين الكرد من عفرين، قامت تركيا بإنشاء 13 مجمعاً سكنياً للوافدين إلى المنطقة خلال الحرب، بعضهم من عائلات عناصر الجيش الوطني، وذلك ضمن سعيها لتغيير الديموغرافي طويل الأمد.
ورغم أن الطرق باتت مفتوحة لعودة غالبية النازحين/ات لمنازلهم وممتلكاتهم في أرجاء البلاد، بقيت العوائق القديمة نفسها تمنع عودة نازحي مناطق السيطرة التركية في عفرين ورأس العين وتل أبيض إليها بسبب السلوك العنجهي لفصائل الجيش الوطني.
وتسبب النزوح في تغيير ديموغرافي عدا عن انتهاكات طالت حقوق الملكية العقارية لاسيما في عفرين ورأس العين وتل أبيض والتي تم تهجير الكرد قسرياً منها، وحرموا من غلال مواسمهم الزراعية واضطروا لاستئجار مساكن ببدلات إيجار مرهقة أو السكن في مدارس ومخيمات في ظل استجابة ضعيفة من المنظمات الدولية الإغاثية المانحة والتي تتذرع بصعوبة التحويلات المالية بسبب قوائم العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري.
وتُعدّ عودة النازحين داخلياً إلى منازلهم وممتلكاتهم الخطوة الأولى لإنصاف ضحايا التهجير القسري، ومن المؤسف أن غالبية النازحين/ات من مناطق الشمال السوري لم يتمكنوا حتى الآن من العودة أو استعادة ممتلكاتهم.
وكانت اللجنة الفرعية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قد تبنت في عام 2005مبادئ “بينيهيرو” المتعلقة بتوفير الحماية في جميع الظروف لأموال وممتلكات النازحين من النهب والاعتداءات العشوائية أو استخدامها كدرع أو هدف للعمليات العسكرية أو تدميرها والاستيلاء عليها.
كما تسببت الحرب في لبنان بعودة لاجئين سوريين رغم عدم توفر ظروف آمنة، ما عرّض بعضهم للاعتقال وانتهاكات أخرى من بينها التعذيب والقتل على يد الأجهزة الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد قبل سقوطه، بالرغم من إجرائهم التسوية قانوناً.
وخارج البلاد تسببت هجمات متشددين ذوي أصول سورية أو من دول عربية وإسلامية بازدياد تيارات كراهية اللاجئين وتصاعد الدعوات لترحيلهم أو تشديد القيود على قبول طلبات حمايتهم ولجوئهم.
المفقودون:
فور انهيار نظام بشار الأسد عقب فراره من البلاد، اقتحم عسكريون ومدنيون سجون أجهزته الأمنية، من بينها سجن صيدنايا، وسط فوضى عارمة.
وتم الإفراج عن المعتقلين فيها والعثور على جثث في المعتقلات والمقابر، إلا أن عمليات حفظ الأدلة والوثائق افتقدت للتنظيم والمهنية، ما تسبب بألم جديد لعائلات لم تتمكن من العثور على أدلة حول مصير مفقوديها.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه عائلات إقامة مراسيم عزاء مع تسليم نسبي بوفاة مفقوديهم، بقيت عائلات أخرى تعاني في انتظار مؤسسات يمكنها الإجابة عن أسئلتهم.
وعينت الأمم المتحدة السيدة كارلا كينتانا رئيسة للمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا بعد تحديدها سابقاً الموظفين ومهامهم، ما يبعث على الأمل في توفير آلية لدعم عائلات المفقودين.
ولم توقع سوريا بعد على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لكن” الحق في معرفة الحقيقة” منصوص عليه في الاعلان العالمي لحماية جميع الأشخاص من الاخفاء القسري عام 1992، وفي البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف، وينص في المادتين 32-34 على” حق كل أسرة في معرفة مصير أفرادها”.
العدالة وسبل الانتصاف القضائي:
لغاية سقوطه، استمر نظام الأسد بالتغاضي عن التعاون الشفاف مع اللجنة الدولية للبحث عن المفقودين في سوريا، بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري وضروب التعذيب والمعاملة اللاإنسانية للسجناء، فيما تتذرع حكومة تصريف الأعمال الجديدة بأن تحسين الواقع الاقتصادي والأمني له الأولوية حالياً، ولم يتم إرساء وإقرار قواعد للعدالة الانتقالية حتى الآن، في الوقت الذي يجب أن تُضمن فيه حقوق الضحايا وذويهم.
ورغم الكشف عن مقابر جماعية لكن لم يتم تحديد هويات الجثث بتحليل جنائي دقيق. ويدعو “بروتوكول بورنموث” إلى حماية المقابر الجماعية لكشف الحقيقة التي تعد من حق أسر الضحايا والمجتمعات.
وشنت الإدارة الجديدة للبلاد حملات أمنية ضد مسؤولي وعناصر النظام السابق خلال الأسبوع الأخير من العام 2024، واستمرت في العام الجديد وسط غياب أي آلية واضحة لإجراء المحاكمات ودفع تعويضات أو تشديد العقوبات على الجناة لمنع حدوث انتهاكات جديدة على خلفية دوافع انتقامية.
وتصاعد خطاب الكراهية بين المكونات السورية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ما أثار المخاوف على مستقبل التعايش والسلام وسط أنباء عن ممارسات مروّعة قام بها عناصر من الفصائل في أرياف حمص والساحل وانتهاكات حقوقية في بعض الجامعات كاللاذقية والأندلس.
التوصيات:
للمجتمع الدولي:
- إسراع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي في رفع العقوبات الاقتصادية عن المؤسسات والموارد التي تؤثر بشكل مباشر على الحالة الانسانية في سوريا
- ممارسة ضغط أممي على الدولة التركية الراعية للفصائل المسيطرة في ريف حلب الشمالي ورأس العين والتي تمانع عودة المدنيين بشكل آمن لقراهم ومدنهم، واستصدار قرار إدانة من قبل الجمعية العامة بصدد ذلك.
- الإبقاء على حق الحماية المؤقتة للنازحين واللاجئين في الدول التي يقيمون فيها حتى استقرار الوضع السوري وإبدائهم الرغبة الطوعية في العودة.
- انخراط دول جوار سوريا في بناء العلاقات والتعاون لدعم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في سوريا وضبط الحدود دون القيام بأعمال عدائية تجاه المجتمعات والأعيان المدنية والبنى التحتية.
- تقديم المنظمات الدولية الدعم المالي التقني المتكامل في سبيل إعادة الإعمار، وضمان تقدم الإدارة الجديدة في تحقيق معايير الديمقراطية والنزاهة والشفافية.
- إنشاء ودعم محاكم دولية لمحاكمة المحتجزين من أعضاء تنظيم “داعش” غير السوريين، سواء داخل سوريا أو خارجها ودعم تلك المحاكم بخبرات دولية، وتفكيك المخيمات عبر استعادة الدول لرعاياها.
للإدارة السورية الجديدة:
- إنشاء هيئة للعدالة تنبثق عنها محاكم وطنية مهمتها مساءلة ومحاسبة المتورطين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المقترفة من قبل نظام الأسد وتوقيفهم في أي دولة بموجب مذكرات توقيف دولية.
- نزع الألغام ومخلفات الحرب والإسراع في التعافي .
- مطالبة الدولة التركية بوقف قصفها العشوائي على المدنيين ومنع إطلاقها الطيران المسير ضمن الأراضي السورية.
- احترام حقوق الإنسان ومحاسبة المقاتلين السابقين لدى النظام البائد وفق الاتفاقيات الدولية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
- ضمان عودة النازحين داخلياً لمناطقهم الأصلية عودة آمنة كريمة، وضمان عدم تسرب الأموال والمساعدات الإغاثية لجهات فاسدة.
- إنشاء أجهزة رقابية وأنظمة تفتيش على عمل المؤسسات القضائية والمالية وإدارات السجون.
- انضمام سوريا ومصادقتها على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري، وكذا نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية ومواءمتها مع التشريعات الوطنية.
- الالتزام بكل الصكوك الحقوقية الدولية التي وقعتها سوريا كاتفاقية حقوق الطفل واتفاقية سيداو لمناهضة التمييز بحق النساء.
- جمع وحفظ وحماية الأدلة كالمقابر الجماعية والسجلات الأرشيفية الحكومية لتسهيل البحث عن مصير المفقودين والتعاون مع الآليات الدولية ذات الصلة.
- جبر الضرر وتوفير آليات دفع تعويضات لكل المتضررين من الأعمال العسكرية سواء في ملكياتهم العقارية أو لعائلات المختفين قسراً وأسر الشهداء.
- ضمان وصول المرأة لمراكز صنع القرار ومشاركتها السياسية وفق القرار الدولي 1325 لعام 2000.
- إصلاح المؤسسات ودور القضاء والمدارس وتعديل القوانين بما يوازي تطلعات السوريين في حياة حرة كريمة.
لتحميل ملف التقرير كاملاً اضغط هنا