مقدمة:
سجلت منظمة إنسايت انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا بحق المدنيين، خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2024، في الأيام الأخيرة لنظام بشار الأسد، والأسابيع التالية التي شهدت انتهاكات واستمراراً للقصف التركي والإسرائيلي على عدة مناطق، بالإضافة لاستمرار الأعمال القتالية في شمالي سوريا، ذلك رغم ظهور رسائل من أطراف النزاع تنبذ العنف والانتهاكات وتدعو للحوار لبناء سوريا الجديدة.
وبغرض إعداد هذا التقرير، أجرى فريق الرصد في “إنسايت” أبحاثاً عبر المصادر المفتوحة واتصالات مع مصادر ميدانية مباشرة وناشطين لإعداد البيانات التي استند التقرير لبعضها.
كما استخدم فريق إعداد التقرير مواد توثيقية تم جمعها بغرض إعداد تقارير مواضيعية، إلى جانب التقارير والنداءات التي أطلقتها منظمات محلية أخرى.
وامتدت فترة جمع البيانات من مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2024 إلى مطلع كانون الثاني/ يناير 2025، فيما استمر عمل الفريق على التحقق من البيانات أياماً إضافية.
وتظهر الأعداد، التي هي في الواقع أكثر مما أحصاه فريقنا، انتهاكات القتل والإصابة على يد أطراف النزاع، والاعتقال خارج نطاق القانون، الذي يهدد أيضاً بتعرض بعض الضحايا للتعذيب والممارسات المهينة للكرامة، بالإضافة لرصد نشاط تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
الضحايا المدنيون
رصد فريق إنسايت وقوع 297 مدنياً بين قتلى ومصابين في القتال والأعمال العدائية على يد أطراف النزاع، قُتل منهم 159 مدنياً وأصيب 138 مدنياً، في ظل استمرار عدم التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية، وانتشار أعمال انتقامية وسط عدم توفر آليات واضحة للعدالة الانتقالية.
مسببات سقوط الضحايا المدنيين
استمرت الاشتباكات والقصف الجوي والمدفعي في سوريا، خلال شهر كانون الأول، وقامت أطراف النزاع خلال العمليات العسكرية والأمنية، بأعمال قتل واعتداءات واعتقالات بحق مدنيين سوريين، ونفذ تنظيم “داعش” هجمات أخرى، كما أن كلاً من تركيا وإسرائيل وروسيا استهدفت من خارج الحدود أو داخلها مناطق سورية ما أسفر عن قتلى ومصابين مدنيين.
وأظهر إعادة ترتيب البيانات بحسب ما تسبب بالقتل أو الإصابة، أن الاستهداف المباشر بالأسلحة كان سبب سقوط النسبة الأعلى من الضحايا المدنيين، يليه القصف، ثم ضحايا انفجار مخلفات الحرب.
وفي الوقت الذي توقف فيه النزاع في مناطق سورية واسعة منذ 7 ديسمبر، استمرت الأعمال القتالية أو التوتر في مناطق أخرى في الشمال والجنوب، بالإضافة لاستمرار دولتي تركيا وإسرائيل في القصف وشن الهجمات، بعد انسحاب فاعلين رئيسيين هما إيران وروسيا.
قصف القوى الخارجية:
وخلال الأسبوع الأول من كانون الأول 2024، قصفت القوات الروسية وقوات نظام الأسد 20 موقعاً، ما أسفر عن مقتل 15 مدنياً هم 14 رجل و1 امرأة، وإصابة 44 رجلاً مدنياً، إلى جانب ضحايا عسكريين.
وتوزعت المواقع المستهدفة على 9 مواقع في إدلب و6 مواقع في حلب، و3 مواقع في حماة، و1 موقع في كل من درعا ودير الزور.
وخلال الشهر الأخير من 2024، قصفت قوات التحالف الدولي، 16 موقعاً لتنظيم “داعش” وللفصائل العاملة مع إيران والقوات الحكومية في دير الزور باستخدام غارات جوية، لم يتم تسجيل سقوط ضحايا مدنيين فيها.
وقصف الجيش الإسرائيلي 31 موقعاً للقوات الحكومية باستخدام غارات جوية استمرت حتى بعد سقوط نظام الأسد، أسفرت عن مقتل 2 رجل مدني، وإصابة 2 رجل مدني، بالإضافة لضحايا عسكريين.
وخلال الشهر نفسه، قصفت القوات التركية 197 موقعاً على الأقل في الشمال السوري باستخدام القذائف والطائرات المسيرة.
وأسفرت الضربات التركية عن مقتل 40 مدنياُ وإصابة 22 مدنياً، إلى جانب ضحايا عسكريين.
وقصفت طائرات لم نتمكن من تحديد تبعيتها 14 موقعاً في دير الزور وريفها، كانت تتبع لفصائل موالية لإيران.
تنظيم “داعش”
نفّذ عناصر تنظيم “داعش”، خلال شهر كانون الأول من عام 2024، ما لا يقل عن 21 هجوماً، قتل خلالها 18 رجلاً مدنياً، و11 عسكرياً من قوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة لإصابة 2 مدني هما رجل وامرأة و4 عسكريين من “قسد”.
وتعرض عناصر تنظيم داعش لاستهداف بـ 8 عمليات أمنية في دير الزور والرقة، 3 منها لقوات سوريا الديمقراطية، و1 مشتركة بين “قسد” والتحالف الدولي، بالإضافة لـ 4 غارات جوية شنها التحالف الدولي.
وأسفرت العمليات الأمنية ضد تنظيم “داعش” عن قتل 15 عنصراً للتنظيم على الأقل، واعتقال 50 عنصراً آخرين.
الاعتقال وانتهاكات أخرى:
اعتقلت أطراف النزاع في سوريا، خلال الشهر الأخير من العام 2024، 252 مدنياً على الأقل بينهم 8 نساء.
وكانت الاتهامات، كما في الأشهر السابقة، الولاء لأحد أطراف النزاع أو معاداة أحدها، أو عبور الحدود ومناطق النفوذ بطرق غير نظامية، أو عدم دفع مبالغ مالية مفروضة من الجهات العسكرية.
ومع سقوط نظام الأسد، تمكن العديد من المسجونين من الحصول على حريتهم، وعاد نازحون سوريون لمناطقهم، بالإضافة لآخرين عادوا من الدول المجاورة.
لكن لم تتخذ السلطات الجديدة إجراءات واضحة لجمع الأدلة وحمايتها، بما فيها السجلات الرسمية في السجون والأفرع الأمنية والمقابر الجماعية، رغم أهميتها في الكشف عن مصير عشرات الآلاف من المفقودين والمحاسبة القانونية للمسؤولين عن الجرائم داخل المعتقلات وخارجها.
واستمر القتال في منبج شمالي سوريا بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة وفصائل الجيش الوطني الموالية لتركيا، وحدثت حركة نزوح من ريف حلب الشمالي نحو شرق الفرات ومدينتي حلب وعفرين، ورغم التواصل بين كافة الأطراف المسلحة لم يتم منع الوقوع المزيد من الانتهاكات.
وانتشرت مقاطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاعتداءات على أماكن مقدسة دينية واجتماعية، مع مزاعم تعرض بعض الأبرياء لعمليات انتقامية، كما لم تتضح حتى الآن آلية محاسبة قادة عناصر النظام السابق على جرائمهم.
وعكست ردود الأفعال على بعض التصريحات التي تتضمن الحد من الحريات، بما فيها حقوق المرأة والمكونات، تصميم السوريين على بناء دولة تحترم حقوق الإنسان والحريات التي ضحوا من أجلها.
ويستمر التدخل التركي والإسرائيلي في الأراضي السورية، ما يهدد بتقويض آمال الاستقرار التي يتطلع لها السوريون وحكومة تصريف الأعمال وغيرها من ممثلي الشعب السوري.
نحن في إنسايت نحث جميع الأطراف على إنهاء الأعمال العسكرية بداية والسماح للنازحين من كافة المناطق للعودة وإطلاق مسار عدالة يضمن المحاسبة العادلة في إطار القانون لمرتكبي الانتهاكات من النظام السابق وكذلك أطراف النزاع بعيداً عن الأعمال الانتقامية المهددة لاستقرار المجتمعات، ويمكن للجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا والآلية الدولية المحايدة تقديم الدعم لتحقيق ذلك.
كما أن من حق ذوي المفقودين قسراً الحصول على أجوبة حول مصير أفراد عائلاتهم المخفيين قسراً، ولتحقيق ذلك على الحكومة الانتقالية وكافة الأطراف الاستفادة من المؤسسة الأممية المستقلة الخاصة للمفقودين برئاسة كارلا كوينتانا.
وندعو جميع السوريين لتغليب لغة الحوار لبناء بلادهم عبر دعم الحقوق والحريات الأساسية لجميع الأطياف دون تمييز، وحماية وسائل الاحتجاج السلمية كالحق في التجمع والتظاهر ومنع وقوع المزيد من الانتهاكات عبر الاستهداف بالسلاح أو الاعتقال أو أي شكل من القمع والترهيب.