ازدادت وتيرة الانتهاكات أثناء شن تركيا هجمات جوية ومدفعية المباشرة على مناطق شمالي سوريا عقب سقوط نظام الأسد، ودفعها فصائل من الجيش الوطني السوري الموالي لها لتنفيذ هجمات ضد المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
وخلال سعيها لتحقيق سريع لهدفها في منع أي تشكّل أي شكل من أشكال الحكم الكردي على حدودها الجنوبية، ارتكب الجيش التركي والجيش الوطني السوري الموالي لها انتهاكات واسعة بسبب عدم التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية واتباع سياسة منهجية للانتقام من الكرد خصوصاً، إلى جانب الموظفين العرب في مؤسسات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والتي تعتبرها أنقرة جهة معادية.
هذا التقرير، المقدم من منظمة “إنسايت”، يسلط الضوء على حجم الانتهاكات ضد المدنيين ويهدف إلى دعوة الأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات عاجلة لحماية حقوق الإنسان وضمان استقرار المنطقة.
قتل وتدمير خلال القصف التركي
وفقاً لبيانات منظمة “إنسايت”، أسفر القصف التركي خلال 11 شهراً منذ بداية العام الحالي 2024، عن سقوط 243 مدنياً بين قتيل/ة وجريح/ة، ما يقارب نصفهم من النساء والأطفال.
وسجلت إنسايت خلال الثلثين الأول والثاني من كانون الأول/ ديسمبر الجاري ارتفاعاً غير مسبوق في عدد الضحايا، إذ قتل تركيا بواسطة القصف 36 مدنياً، وهو عدد يتجاوز نصف العدد المسجل خلال 11 شهراً الماضية، ما يؤكد ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي خطوات ملموسة لوقف هذه الجرائم.
وتؤكد البيانات أن نصف من قتلتهم تركيا في القصف هم من الأطفال والنساء، وكانت آخر تلك الحوادث قتل رجل دين وموظف وموظفة في بلدة تل براك بريف الحسكة بواسطة طائرة مسيرة تركية.
وقال الناجي الوحيد الذي أصيب بجروح إنه كان مع الضحايا الثلاثة في السيارة بهدف التوجه لمنطقة جبل كوكب التي كانت تحت سيطرة قوات النظام قبل سقوطه في الثامن من ديسمبر، وذلك لتقييم احتياجات القرى هناك من الخبز ووقود التدفئة التي توفر الإدارة الذاتية حصصاً منها للعائلات بأسعار مخفّضة.
جرائم ونهب على يد الجيش الوطني
ومنذ أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي ازدادت وتيرة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها فصائل “الجيش الوطني السوري” الموالي لتركيا، لا سيما في عفرين وريف حلب الشمالي ثم منبج وريفها، وتصاعدت هذه الانتهاكات عقب سقوط نظام الأسد بدل أن تتوقف مع انتهاء السبب الرئيسي للنزاع في سوريا.
وشملت الانتهاكات:
- تهجير قسري وتهديد حياة من فروا سابقاً بسبب الهجمات والاشتباكات.
- إعدامات ميدانية وقتل خارج نطاق القضاء، بمن فيهم المدنيون والأسرى المصابون.
- الاستيلاء على ممتلكات المدنيين، خاصة الكرد وعائلات الموظفين لدى الإدارة الذاتية سابقاً.
- الاعتقالات التعسفية.
- التعذيب والابتزاز المالي.
- منع عودة العائلات إلى منازلها أو إجبارها على دفع مبالغ مالية كبيرة للعودة.
واعتقلت فصائل الجيش الوطني منذ مطلع العام الحالي 631 مدنياً، هم 574 رجل و35 امرأة و18 طفلاً، تم الإفراج عن نحو 60% منهم بعد دفع مبالغ مالية طائلة، ما يُثبت استخدام تهمة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية بهدف الابتزاز المالي.
وخلال شهر ديسمبر، قتلت فصائل الجيش الوطني السوري 31 مدنياً، هم 24 رجلاً و6 نساء ومنهن ثلاث ناشطات مدافعات عن حقوق المرأة، وطفل واحد.
وخلال الفترة نفسها أصيب 13 مدنياً، بينهم 6 نساء وطفل واحد، على يد عناصر فصائل للجيش الوطني السوري.
وشهدت المناطق التي سيطر عليها الجيش الوطني حديثاً في ريف حلب الشمالي ومنبج، بالإضافة لعفرين التي عاد إليها عدد محدود ممن فروا منها عام 2018، عمليات نهب واسعة للممتلكات وفرض إتاوات، وهو ما يعكس حجم المعاناة الإنسانية وتدهور الوضع الأمني.
ورغم إيوائها اللاجئين السوريين خلال سنوات النزاع في سوريا ودعمها لمجموعات حاربت نظام الأسد خلال الأعوام الـ13 الماضية، يتنافى تصعيد تركيا للأعمال العدائية مع مبادئ السلام والاستقرار والتعاون والنظام بين الأمم.
تظهر الوقائع والأرقام حجم الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون في شمالي سوريا، وأن استمرار هذه الجرائم دون تدخل دولي فعال يشكل تهديداً خطيراً للاستقرار والسلام. لذلك، تهيب منظمة “إنسايت” بالأمم المتحدة لاتخاذ خطوات فورية وجدية لحماية المدنيين ووضع حد لهذه الانتهاكات.
التوصيات
- دعوة المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل: لوقف التصعيد العسكري والانتهاكات المستمرة، وضمان حماية المدنيين وفق القانون الدولي الإنساني.
- إرسال بعثات تحقيق دولية: لتوثيق الانتهاكات ومساءلة الأطراف المسؤولة عنها.
- تعزيز الدعم الإنساني: للمناطق المتضررة وضمان وصول المساعدات للمحتاجين دون عوائق.
- وضع حد للتدخلات العسكرية: وضمان احترام السيادة السورية وحماية حقوق جميع المكونات في شمال وشرق سوريا.