مقدمة:
تواجه نساء من العائلات العراقية في مخيم الهول شمال شرقي سوريا، ما يعتقدن أنه ابتزاز يعرقل عودتهن مع أطفالهن إلى المناطق الأصلية لهم/ لهن في العراق، بسبب غياب الحوار الشفاف معهن وتعرضهن لتهديدات وابتزاز من الأقارب والمتنفذين في تلك المناطق.
ورغم أن العراق هو الدولة الوحيدة التي تطمح لإعادة جميع رعاياه في المخيم، وتمضي قُدُماً في محاولات تحقيق ذلك، إلا أن بعض الممارسات والمواقف التي تعرضت لها النساء العراقيات تمثّل انتهاكات لحقوقهن أثناء تنفيذ البرامج الساعية لمعالجة الملفات الأمنية والإنسانية المتعلقة بالعائدين/ العائدات من الهول.
وأجرت إنسايت بغرض إعداد هذا التقرير 7 مقابلات مباشرة مع نساء عراقيات ما زلن في مخيم الهول، وتلقّت ردوداً صوتية من 16 امرأة عراقية في المخيم على أسئلة طرحناها، بالإضافة لآراء سابقة لأكثر من 10 نساء أخريات تم استخدامها من أرشيفنا لعلاقتها بالموضوع نفسه.
وانطلاقاً من مبدأ عدم الإضرار، تم استبدال الأسماء الحقيقية للشاهدات بأسماء مستعارة، بينما تم الاستعاضة بأسماء المتهمين بعبارات دالة تتوافق مع الغرض من التقرير مثل “رجل من العشيرة” أو متنفّذ في الحكومة” أو شخص من الأقارب”.
وتزعم الشاهدات في هذا التقرير تعرضهن لضغوطات وابتزاز من متنفذي العشائر والمسؤولين المحليين في مناطقهن الأصلية مقابل الموافقة على إعادتهن، رغم اعتقادهن أنهن وأطفالهن كانوا ضحية للصراعات في المنطقة.
وتلفت إنسايت إلى أنها حصلت على آراء إيجابية أيضاً تجاه الجهود المبذولة لإعادة الرعايا العراقيين من الهول إلى بلادهم، لا سيما النساء والأطفال الذين عانوا الضعف في العيش والحماية ضمن مجتمع الهول، ولم يتم عرضها بهدف التركيز على الموضوع الأساسي للتقرير.
ويحتوي موضوع تقييم درجة خطورة العائلات، التي قد يكون أحد أفرادها قد انخرط في فترات سابقة مع تنظيم “داعش”، على ملفات شائكة أمنية وإنسانية ومجتمعية، لا سيما في العراق وسوريا اللتين ارتكب فيها التنظيم جرائم بحق فئات واسعة.
وترفض غالبية الدول استعادة أفراد العائلات الأجانب من الهول بسبب تصور ارتباطها بالتنظيم أو التشبّع بأفكاره المتشددة، لا سيما الأفراد البالغون ممن أمضوا سنوات في مجتمع المخيم، وذلك رغم النداءات التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية والحكومة العراقية والتحالف الدولي لمحاربة “داعش” حول ضرورة تفكيك المخيم عبر استعادة الدول لرعاياها.
المخيم الأخطر
ويعود تاريخ إنشاء مخيم الهول بالتنسيق بين المفوضية السامية للاجئين والحكومة السورية إلى العام 1991 لإيواء اللاجئين العراقيين بعد حرب الخليج الثانية، ثم أعيد فتحه عام 2003 حتى العام 2010 لإيواء اللاجئين العراقيين أيضاً.
وعام 2015، طردت قوات سوريا الديمقراطية مسلحي تنظيم “داعش” من مساحات من المنطقة وسيطرت على بلدة الهول، وأعادت الأمم المتحدة افتتاح المخيم لإيواء الفارين من معارك الجيش العراقي وقوات التحالف الدولي ضد “داعش” في الموصل.
وعام 2019، أنهت قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي لمحاربة “داعش” سيطرة التنظيم الجغرافية في آخر معاقله في الباغوز بريف دير الزور حيث حاصرت آخر من تبقى من العناصر وعائلاتهم.
واقتادت القوات المدعومة من التحالف الدولي عناصر التنظيم والمتهمين بالقتال معه إلى مراكز احتجاز، فيما تم إيواء عشرات الآلاف من أفراد العائلات ضمن مخيم الهول شرق مدينة الحسكة، إذ يشتبه أن أفراداً لتلك العائلات انضموا لتنظيم “داعش” أو تعاملوا مع مسلحيه.
وأشارت التقديرات إلى وصول عدد سكان مخيم الهول نهاية آذار/ مارس عام 2019 إلى 74000 نسمة، كان بينهم ما يقارب 12000 طفل وامرأة من أكثر من 60 دولة، بينما ينحدر الباقون من مناطق سورية وعراقية.
وطوال الأعوام الخمسة الماضية، تكررت التحذيرات من المجتمع الجديد في المساحات الواسعة في مخيم الهول، حيث الفكر المتشدد لتنظيم “داعش” وممارسة البعض للقمع والتهديد والاستعباد، حتى وُصف المخيم بدويلة الهول أو القنبلة الموقوتة أو أخطر مخيم في العالم.
وتتركز المخاوف من استمرار تنظيم “داعش” في نشر أفكاره في المخيم، وتنشئة جيل جديد من الأطفال الذين يتأثرون بما يتم تلقينهم باستمرار هناك.
وتعددت البرامج التي نفذتها الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بدعم من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتأهيل أطفال ويافعين من عائلات عناصر التنظيم في مراكز متخصصة، كما جرى نقل بعض العائلات إلى مخيم “روج” بريف ديريك أقصى شمال شرقي سوريا.
ومنذ العام 2021، بدأ العراق باستعادة عائلات عراقية من مخيم الهول، ثم افتتح مركز التأهيل المجتمعي في مخيم الجدعة على الجانب العراقي، بمشاركة 11 منظمة دولية.
ويعمل المركز على إعادة تأهيل الأفراد العائدة ودعم عودتها لمناطقها الأصلية عن طريق وجهاء ومسؤولين محليين.
وأكدت الحكومة العراقية، في بيانات وتصريحات متكررة، على التزامها بقرار إرجاع كل العراقيين والعراقيات الموجودين في مخيم الهول وإعادة تأهيلهم ودمجهم داخل المجتمع وأطلقت مشاريع وخططاً للمضي قدماً في مسار استعادتهم.
وشهد مخيم الهول خلال خمسة أعوام انخفاضاً في عدد السكان بنسبة 42 %، بحسب التحالف الدولي لمحاربة “داعش”.
وخلال النصف الأول من العام الحالي 2024، أسفرت رحلات الخروج الجماعية من مخيم الهول، شمال شرقي سوريا، تجاه المناطق السورية والعراقية لاتباع برامج إعادة اندماج مع المجتمعات الأصلية وتسليم أفراد من جنسيات أجنبية لوفود حكومية من دولهم إلى خروج 4281 فرداً، غالبيتهم نساء وأطفال.
وكان الهول، نهاية العام الماضي 2023، يضم 21633 عراقياً وعراقية من بين 45355 فرداً، وانخفض عددهم نهاية حزيران/ يونيو 2024 إلى 18160 عراقياً وعراقية 41074 نسمة.
وتقول السلطات العراقية إنها تدقق في ملفات العائدين، وتحاكم كل من تورط في جرائم التنظيم، بينما يتم تأهيل الباقين للعودة إلى مجتمعاتهم.
وتعتبر أن التنسيق مع السلطات المحلية ووجهاء العشائر وقادة المجتمعات، هو ضمان لاندماج آمن للعائدين والعائدات.
لكن الأحداث المتعلقة بملف الهول المعقد دفع المجتمعات المحلية أحياناً لوصم كل من خرج من مخيم الهول بالانتماء لتنظيم “داعش”، بما فيهم الأطفال ومن فروا أساساً من ممارسات التنظيم، وذلك في سعي الضحايا والمتضررين وذويهم لمحاسبة الجناة وتحقيق العدالة.
وتعرض الجهات الرسمية في الحكومة العراقية والتحالف الدولي قصص نجاح، خصوصاً لنساء عدن إلى مجتمعاتهن مع مشاريع اقتصادية صغيرة وأسّسن لبداية جديدة لحياتهن وأطفالهن، لكن النساء اللاتي قابلناهن ما زلن في المخيم ويتحدثن عن رؤية غير واضحة تجاه العودة مع محاولات ابتزازهن، ما يثير الكثير من المخاوف حيال مصيرهن إذا ما عدن للعراق.
زواج قسري مقابل العودة
أفادت شاهدات بعرض شروط متعلقة بحياتهن الشخصية عليهن مقابل الموافقة على عودتهن للعراق واسترداد منازلهن، من بينها الموافقة على الزواج من شخص محدد، أو عدم الزواج مطلقاً، أو شرط الطلاق من زوج معتقل أو مختفٍ.
وتأتي المزاعم هذه بعد أن بعثت الرحلات من الهول إلى العراق، آمالاً في نفوس نساء كثيرات لتجاوز الحرب وآثارها، من بينهن “أم حسن” التي شعرت ببعض الأمان بمجرد سماعها أن العراق يريد استعادة رعاياه.
لكنها ترى أن عقبات العودة وتحدياتها تواجه نحو 80 % من العائلات العراقية في الهول حالياً، تلك التي تضم أطفالاً ونساءً فقط، دون أزواج وآباء وأشقاء.
حاولت “أم حسن” التواصل أكثر مع أقاربها في العراق لتسريع خروجها، وظنت أن ذلك قد يكون ممكناً كونها أرملة وليس معها سوى ابنها الوحيد الطفل.
لكن المرأة تعرضت لابتزاز لم تتوقعه، إذ عرض الرجل (من أقاربها) الزواج منها مقابل مساعدتها في العودة، زاعماً أنه يمتلك من النفوذ ما سيخرج المرأة من مخيم الجدعة خلال مدة أقل من أسبوع إذا وافقت على الزواج.
ولا تدري المرأة هل تعرضت للابتزاز لكونها امرأة يراها البعض ضعيفة، أم أن “الزواج” هو إحدى الطرق الأمنية المتبعة لدى الجهات العشائرية لضمان قطع اتصال محتمل بين الخارجات من الهول وتنظيم “داعش”، لكنه يبقى في الحالتين زواجاً قسرياً لا يمكن قبوله من وجهة نظرها.
تستدرك “أم حسن”: “أنا لست ضد فكرة الزواج بالمطلق، لكن الهاجس المؤلم أنه إذا هذا الشخص من الأقارب ويساومني بهذه الطريقة، فكيف سيكون تعامل الغرباء معنا بعد العودة؟”.
وقطعت العشيرة التي تنحدر منها المرأة الاتصال مع عائلتها منذ العام 2017، “رغم علمهم بأن أمي امرأة مسنّة ومريضة، وأن أخواتي البنات كلهن مثلي بلا أزواج ولا أب ولا أشقاء ذكور ولا أي معيل آخر”.
تصف “أم حسن” ما واجهته أثناء متابعة معاملة العودة للعراق بـ”غربة وضِيق ومأزق كبير”.
وتضيف: “حتى لو عدنا للعراق، منزلنا تم تفجيره، والأرض الزراعية صارت بيد العشيرة، يأخذون الإنتاج كله ولا مرة عرضوا علينا حصة من المواسم”.
ورغم كل هذه المخاوف والتحديات، تقول المرأة إنها مستعدة للعودة والاندماج هي وطفلها في مجتمعها الأصلي، إذا ما دعمتها الحكومة العراقية والمنظمات الإنسانية، لأنها ستحتاج تدخلها في حال تعرضت لرفض من المجتمع المحلي، أو مضايقات من منطلق كونها امرأة.
وقالت امرأة أخرى إنه تمّ تخييرها بين الطلاق من زوجها المسجون وعدم الزواج بعد ذلك أو فرض قيود صارمة بعد عودتها للعراق، كتسجيل الحضور اليومي أو الأسبوعي في مركز أمني.
وتعتبر المرأة أن من يفرضون هذه الشروط لعودتها مع بناتها ومن وجهوا تهديدات لها في حال عودتها، بأنهم “ما يخافون الله”.
وتزعم أنها لا تطلب سوى مسكن تعيش فيه مع بناتها، مستغربة من طلب غير رسمي بالتبرّؤ من شقيق “مات ونال جزاءه”.
ويبدو أن بعض المعارف في المجتمع الأصلي يوحون للنساء اللواتي لا زلن في مخيم الهول باشتراطات لا يفرضها القانون العراقي حقيقة، بل ربما بسبب الجهل بتدابير العودة أو تقصّد إخافة الراغبات في العودة لأسباب شخصية واجتماعية.
قيود تفرضها التقاليد
وتدعم الأعراف العشائرية بعض القيود التي تُفرض على زواج النساء عموماً، ما يجعل العائدات ضعيفات جداً للمطالبة بحقوقهن، كونهن نساء أولاً، ويُنظر لهن كعائلات تنظيم “داعش” ثانياً، ومنتميات لمنطقة تسود فيها القواعد العشائرية التي يقرر الرجال فيها زواجها من عدمه ثالثاً.
وتعتقد امرأة أن غالبية المشكلات والضغوط تأتي عليهن لأنهن نساء، صرنا نخاف خاصة من الأقارب المسؤولين ممن لديهم مناصب في الحكومة”.
تقول إن شخصاً في العشيرة قرر ألا تتزوج، ويهدد بإلحاق الضرر بأي شخص يتزوجني، “يقول اللي يتزوجج يحسب الله ما خلقو”، وهو إشارة لتهديد بالاعتداء حد القتل.
وتضيف: “ينظر البعض للعراقيات في مخيم الهول على أنهن نجون من الحرب ويعشن حياتهن، وها هن سعيدات بفرصة الخروج من الهول، لكن كل واحدة منا في داخلها غصة، المشاكل بصراحة كثيرة”.
وتتفق مع أم حسن على الرغبة في الخروج في كل الأحوال، ” عسى خيراً، قد تقف المنظمات الإنسانية معنا هناك،
المشاكل بصراحة كثيرة”.
ورغم وجود نماذج عن نساء نجحن في تأمين عمل ومسكن وخدمات بأمان بعد عودتهن للعراق، تؤثر قصص عائدات أخريات حين تبلغ أخبارهن مسامع عراقيات ما زلن في الهول.
تقول “أم حسن”: “أعرف امرأة كانت لديها خمسة بنات ولا أولاد ذكور لها، عادت بعد توسط أحد المتنفذين في الحكومة، لكنها اضطرت لتزويج ابنتها القاصر (17 عاماً) لشخص يبلغ 60 عاماً”.
وتعطي الأعراف العائلية والعشائرية سلطة للرجال على النساء وتقرير مصيرهن لا سيما ما يتعلق بالزواج والعمل، وتشتد وطأة هذه التقاليد مع عدم وجود أقارب ذكور من الدرجة الأولى كالأب والأشقاء والزوج.
وتشعر نساء كثيرات في الهول أنهن أصبحن فرائس ضعيفة وسهلة لتحكم رجال العشيرة، ويشعرن بغبنٍ مضاعف إذا كانت لهن وأسرهن خلافات قديمة مع هؤلاء الرجال الذين يُحتمل أن يصبحوا وسطاء لعودتهن للعراق.
لكن شريحة أخرى من النساء لم يتمكنّ حتى من إيجاد هؤلاء الرجال من العشيرة وأبناء العمومة لدفع مسألة عودتهن، ما جعلهن يشعرن بالضعف أكثر من الجميع.
تقول امرأة مطلقة إنه ليس لديها من تعتمد عليه للتوسط لدى العشائر أو الحكومة وإنها لا تدري لماذا لا يدرج اسمها في قوائم الرحلات المقررة رغم أنها من أوائل المسجلين عند إعلان تسيير الرحلات إلى العراق.
وخديجة (اسم مستعار)، هي امرأة مطلقة يرفض زوجها السابق إعطاءها أي وثيقة تثبت طلاقها، ورغم محاولاتها المتكررة لم تتمكن من الوصول للجان القادمة من العراق لشرح معاناتها لهم.
تقول إنها عالقة في المخيم منذ العام 2017، ولم تستلم موالفقة على الخروج رغم تسجيل اسمها قبل 3 أعوام.
وتضيف باكية: “عندي 7 أفراد في العائلة ولا معيل لنا، أنا ضعت في هذا المخيم، ولا أحد يسأل عني”.
ورغم وجود منظمات عاملة في المخيم، من بينها منظمة دولية تقدم استشارات قانونية، تبدو المرأة محبطة في مأزق عدم موافقة طليقها على استكمال وثائق الطلاق رسمياً.
معلومات لا تمتلكها
وتزعم نساء عراقيات في الهول أنهن لا تمتلكن المعلومات الأمنية المطلوبة منهن، وأن هذا يدفع نساء أخريات لتقديم معلومات خاطئة قد تتسبب بظهور المزيد من العداوات في المجتمع.
وتقول زينب، وهو اسم مستعار لامرأة عراقية في الهول، إنها حصلت على رقم أحد أعضاء اللجنة القادمة من العراق لتسجيل أسماء من سيتم ترحيلهم لمخيم الجدعة، بهدف تسريع خروجها بسبب الوضع الصحي لوالدتها وحاجتها لرعاية طبية.
ووافق عضو اللجنة على مساعدتها بشرط أن تذكر له معلومات تتعلق بأشخاص انضموا لتنظيم “داعش” وشاركوا في المعارك ضد القوات الأمنية.
“قلت له: أخي ما تطلبه مني صعب جداً، أنا امرأة، رأيت من أكل مع مسلحي “داعش”، من كان يجلس معهم ومن خرج معهم في السيارات، لكن لم يحدث أن كنت شاهدة على قتال أو استخدام الأسلحة”.
فكان الرد: “تتعاونين معي أتعاون معك، ما تتعاونين خلاص انتظري دورك”.
ورغم عدم تهديدها بالحرمان من فرصة العودة، ترى زينب أن هذه الطريقة هي استغلال لظروف النساء بهدف الحصول على “معلومات قد تكون غير دقيقة”.
وتمثل التحديات الأمنية عقبة كبيرة أمام عودة العائلات في وقت تستمر فيه خلايا تنظيم “داعش” في شن الهجمات في العراق وسوريا ودول أخرى في العالم، بينما تقول بعض النساء العراقيات في مخيم الهول إنهن مستعدات لبدء حياة بعيدة عن التشدد.
ولا تكشف بعض الشاهدات طبيعة علاقة أفرادها المقتولين بتنظيم “داعش”، وتقول بعضهن إن أفراد عائلاتهم كانوا ضحايا أو فارين من التنظيم، إلا أنهن يشرن إلى مخاطر إعلان ذلك، بينما لا تنكر أخريات أن أزواجهن أو أبنائهن كانوا عناصر في التنظيم وقاتلوا في صفوفه حتى مقتلهم أو اعتقالهم.
وتعبر امرأة مسنة، كان أفراد عائلتها في صفوف تنظيم “داعش”، عن تمنّيها لو تنتهي العداوات وتتمكن من العودة دون مشكلات، “لا نريد مشكلات وعداوات مع أحد، أنا فقدت أيضاً أربعة أولاد ووالدهم”.
وتقول امرأة أخرى أن اثنين من أولادها غادروا المخيم، لكنها أجلت خروجها بإرادتها في انتظار مصير ابنها المعتقل لدى قوات سوريا الديمقراطية، كما أن زوجته سورية ولم يرد اسمها في القائمة.
وتزعم أن أبناءها كانوا دهّانين وممرضين ولا علاقة لهم بالأعمال القتالية، وتعتبر عودة ولديها للعراق وتبرئتهما بعد التحقيقات إثباتاً على براءة أشقائهم من العلاقة بجرائم تنظيم “داعش”.
ضغوط لبيع الممتلكات
وتلقّت نساء في الهول عروضاً لمساعدتهن في العودة للعراق مقابل بيع منازلهن أو عدم الاعتراض على سكن آخرين فيها ووضع يدهم عليها.
وتقول سندس، وهو اسم مستعار لامرأة عراقية مسنة، إن الشخص الذي سكن في منزلي بالأنبار يطلب أن أبيعه له بذريعة أن الجهات الأمنية لن تسمح لي بالعودة لمنطقتي نفسها، “هو يذكر أيضاً أسماء عائلات وعشائر محلية، يقول إنهم لن يتركوني أعيش بسلام في منزلي إذا ما عدت”.
ويقترح الساكن على المرأة الذهاب للسكن في محافظة أخرى، فما دامت عائلة أخرى تسكن المنزل لن يعترض أحد.
تضيف المرأة أنه يستخدم لهجة ناعمة للنصح، ولا يعتبر الأمر تهديداً، “هو يكرر لي أن السبب لأنكم دواعش لو عدتم للبيت ستقوم الحكومة بمصادرته، فبيعيني أفضل”.
تقول سندس أيضاً: “أنا عجوز مريضة.. ولم يكن لنا ذنب فيما حصل وفي كل هذه العداوات.. نريد حقوقنا وبيوتنا وأراضينا.. من الصعب أن أجد مسكناً في منطقة أخرى وليس عندي أحد أعتمد عليه”.
وتعتبر أنه ليس من العدل أن “يستولي آخرون على منازلنا وأرضنا يزرعونها ويأكلون منها، ونحن لا طاقة لنا لشراء كيلوغرام واحد من الطماطم”.
وتعبر امرأة عراقية أخرى في مخيم الهول عن مخاوفها حيال العودة إلى العراق: “لم يسجلونا بعد، جئنا مضطرين من العراق، لكن في محافظتنا يرفضون عودتنا لبيوتنا وأراضينا، يقولون تعالوا للعراق لكن لن نسمح أن تعيشوا في المنطقة”.
ولم تتمكن المرأة من التحقق إذا ما كان هذا الرفض حقيقياً أن أنها محاولة لتخويفها من العودة لأغراض أخرى.
وتؤثر هذه المخاوف على رغبة المرأة في الخروج وثقتها في أن الظروف ستتحسن إذا ما أقدمت على العودة، بالإضافة لمشكلة عدم توفر ثبوتيات لزواجها وأولادها.
“ليس لدينا وثائق زواج ولا ولادات لأبنائنا، مسجلون هنا ببطاقة ولا أعلم كيف سيكون مستقبلهم دون ثبوتيات رسمية”.
وتقول امرأة مشاركة في مجلس محلي (كومين) لإدارة سكان مجموعة خيام في مساحة واحدة بالمخيم، إنها مطلعة على قصص كثيرة من هذا النوع للعراقيات، “نصفهن واجهن شروطاً استغلالية من شخص في العشيرة أو مسؤول محلي في الحكومة كالمخاتير والنواب وغيرهم”.
وتستذكر أمثلة: “مثلاً يتصل شخص بامرأة على وشك الخروج ليخبرها نريد قطعة الأرض الفلانية مقابل عودتك، أو يقول آخر أنا ساكن في منزلك حالياً ويجب ألا تطالبيني بالخروج إذا ما عدتِ، لا أطلب تنازلاً عن ممتلكاتك لكن اتركيني ساكناً في المنزل مقابل حمايتك”.
اتهامات كيدية
وتعبر الأمهات عن ألمهن بسبب إلحاق وصمة “داعش” وعار ممارساته بجميع القاطنات والقاطنين في مخيم الهول، بمن فيهم من كانوا أطفالاً صغاراً حين سيطر التنظيم على المنطقة، والفارون أساساً من ممارسات التنظيم.
وخرجت آلاء، وهو اسم مستعار لعراقية تنحدر من محافظة الأنبار وتعيش في مخيم الهول، من العراق إلى الأراضي السورية عام 2015، لينتهي بها الحال رفقة أطفالها عام 2017 في مخيم الهول.
تقول إنها لم تحاول الخروج من الهول حتى تقدمت بطلب مغادرة للعراق حين بدأت رحلات العراقيين، لكنها لم تحصل على الموافقات اللازمة.
وتضيف: “قيل لي إن البعض في منطقتي يرفضون عودتي وأولادي لأن والدهم كان عنصراً في تنظيم الدولة الإسلامية، لكن المشكلة في أنهم يتهمون ابني بأنه داعشي”.
توضح آلاء أن عمر ابنها الأكبر كان 15 عاماً فقط حين جاءت لمخيم الهول، وترفض إلصاق تهمة الإرهاب به، “ابني ليس داعشي، هو طفل، وحتى لو مشى معهم مدة شهرين، من الظلم اعتباره كمن شاركوا في القتال”.
واستولى أشخاص من العشيرة على منزل آلاء، ويمنعونها من بيعه أو تأجيره، معللين ذلك بأنه من ممتلكات أحد عناصر تنظيم “داعش”.
وتروي أنه في إحدى المرات ورد اسمها في قائمة رحلة مقررة، لكن تبع ذلك رفض من العراق تم تفسيره لها بنقص في عدد الأولاد المسجلين، “لكن أولادي هؤلاء هم وسجلتهم كلهم، عندما قدمت إلى هنا كنا 8 أفراد، البنات تزوجن، بقيت أنا و3 أولاد ذكور وابنة صغيرة عمرها 13 عاماً”.
وأكّدت المرأة أن جميع أولادها مسجلون في الوثيقة التي تقدمت بها، إلا أن القائمين على الأرشيف ردّوا عليها بأن الموضوع من العراق، وحين اتصلت مع الجانب العراقي قالوا إن أوراقها كاملة ولا يدرون أين المشكلة.
وتعتقد آلاء أن سبب الرفض كان وجود تهديدات ضدها وأطفالها من أبناء العشيرة، وتخشى الآن توجيه اتهامات غير صحيحة لأبنائها الذين كانوا أطفالاً حين كان تنظيم “داعش” مسيطراً على المنطقة.
تقول: “أشعر أن المطلوب رأس أولادي ثمناً لعودتي، يمكن أن يخضعوا لمحاكمات وللسجن، وأخشى أن يتعرضوا لأعمال انتقامية قد تصل حد قتلهم”.
وتتهم المرأة أقاربها من جهة زوجها، وآخرين من العشيرة بتلفيق تهم لإدراج اسم ابنها ضمن قوائم المطلوبين، والدوافع كيدية أو عداوات قديمة، “وربما دفعوا أموالاً واستخدموا نفوذ بعض الأشخاص في الحكومة والعشائر لإدراج اسمه”.
وما يزيد شكوكها هو قطع ابنتها العائدة للعراق اتصالاتها بها بعد خروجها من مخيم الجدعة، إذ تعتقد أن الشرطة المحلية طلبت منهم عدم التواصل مع والدتها الموجودة في مخيم الهول.
عقبات أخرى
تتحدث نساء عراقيات في مخيم الهول عن تحديات وعقبات أخرى أمام عودتهن للعراق، من بينها انتظار أبناء محتجزين بتهمة الانتماء لتنظيم “داعش”، أو البحث عن طريقة لاصطحاب زوجات أبنائهن غير العراقيات.
ولا توافق إدارة المخيم اصطحاب العائلات العراقية لزوجات أبنائهن السوريات من المخيم، إذ يتعين على السوريات الخروج بداية لمناطقهن السورية واستخراج جواز سفر رسمي للوصول لعائلة الزوج في العراق.
وأمام هذا الواقع، تتعدد الخيارات التي تتخذها العراقيات في الهول أو تضطر بعضهن لاتخاذها، فتقول إحداهن: “لو رجعت للعراق، لن أعود للأنبار لأنني لا أتوقع أن يتركوني بسلام، ما عندي مشكلة مع الحكومة والجهات الأمنية، لكن المشكلة مع العشيرة ومن لهم يد طويلة ونفوذ منهم، والسبب عداوات قديمة”.
وتضيف أخرى: “لا مشكلة لدي مع المجتمع المحلي والعشائر ولا الحكومة العراقية، أثق بالحكومة وأجهزتها، لكن المشكلة الوحيدة هي عدم ورود موافقة على اسمي حتى الآن”.
وتقول ثالثة: “من أجل ابني المسجون هنا لم أذهب، ورد اسمي في قوائم 4 رحلات سابقة، لكن أنتظر إطلاق سراح ابني والموافقة على اصطحاب زوجته السورية “.
وتتلخص قصة امرأة رابعة برفض زوجها العودة للعراق بسبب وجود ديون سابقة متراكمة عليه هناك، وحتى عندما ورد اسم العائلة بين قائمة إحدى الرحلات، رفض المغادرة، كما فشلت مساعي المرأة في الخروج وحدها.
وتشتكي أخريات من تأخر ورود أسمائهن في قوائم الرحلات، وتعتقدن أن بإمكانهن الحصول على حياة أفضل إذا ما نجحن في العودة مع أطفالهن، رغم إشارتهن إلى تحديات تأمين دخل للحياة الجديدة.
توصيات:
- أن تقوم الحكومة العراقية بإجراء حوار شفاف مع النساء حول المخاطر المحتملة لعودتهن، والحلول الممكنة للتغلب على بعضها.
- رغم المخاطر الأمنية المحتملة لعلاقة بعض النساء في مخيم الهول بتنظيم “داعش”، قد يشكل الشعور بالغبن والمظالم الجديدة دافعاً آخر لعودة بعضهن للارتباط بالتنظيم.
- تعريض الأطفال للوصم والصدمة مع عدم تأمين شروط حياتهم السليمة داخل المجتمع قد يدفع ثانية لاعتبارهم أنفسهم رجال “داعش” المستقبليين.
- تنشيط برامج تهيئة أفراد العائلات في الهول للعودة للمجتمعات داخل العراق وبدئها حتى قبل ورود الأسماء في رحلات مرتقبة، كون النتائج تحتاج لفترات طويلة.
- برامج جبر الضرر للمجتمعات والعائلات والأشخاص من ضحايا نشاط تنظيم “داعش”، تعزز من مفهوم العدالة لدى المجتمعات ويعزز قدرتها على التسامح والابتعاد عن تعميم تحميل مسؤولية ما عانته لكل من عاش في مناطق سيطرة التنظيم.
- إشراك ممثلي المجتمعات المحلية من أصحاب التأثير الفعلي في المنطقة عشائرياً ودينياً وقومياً في مناقشة أبعاد مشكلة ومخاطر استمرار حال القاطنين في مخيم الهول وإيجاد حلول منصفة.
- زيادة التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية والجانب السوري لإيجاد حلول للعائلات التي تولي أهمية لزوجات أبنائها السوريين ولمحاكمة أبنائها المحتجزين لتتمكن الأمهات والزوجات من اختيار مصيرهن بعد كشف تورط الرجال أو عدمه.
تمكين النساء من الناحية القانونية من خلال تقديم جلسات قانونية لكيفية استعادة املاكهم و التعريف بحقوقهم المدنية في العراق.