السكن، الأرض، المياه، سبل المعيشة
مقدمــة
بعد 13 عاماً من الانتهاكات خلال النزاع في سوريا، لايزال هناك 7.2 مليون نازح داخلي في سوريا من بينهم 2.9 مليون في شمال غرب سوريا، و 640,000 في شمال شرق سوريا، يرون أنفسهم مجبرين على التعايش مع سياسات التهجير والنهب والسلب، والبحث عن إيجاد بدائل للسكن، والعمل والدخل، دون إيجاد خطة استجابة تساعد على استعادة هولاء النازحين لممتلكاتهم وجبر الضرر، وتحقيق المساءلة والمحاسبة لحاملي المسؤولية عن تلك الأوضاع، أو معالجة الخسائر والأضرار التي يتكبدونها.
وهناك صعوبة في تقديم أرقام شاملة أو حصر عن عدد حالات الانتهاكات في سلب وتدمير الممتلكات والأراضي، في شمالي سوريا، نظراً لأسباب وظروف النزاع، التي لا تزال مستمرة. كما أن الجهات العسكرية نفسها لا تزال تسيطر و تهدد بالمزيد من الضغوطات على الضحايا في منطقة تتنازع عليها أطراف مختلفة، ويتكرر فيها كافة أنواع الانتهاكات.
إلا أنه، بناء على البيانات التي سجّلها قسم الرصد والتوثيق في منظمة إنسايت، يمكن تقديم أدلة تسرد حدوث انتهاكات لمبادئ حقوق الإنسان العالمية التي كان ينبغي أن يتمتع بها السكان المحليين، والمتضمنة الحق في الأرض والسكن، وسبل العيش والمياه. وبالرغم من الأطراف المتعددة المرتكبة لتلك الانتهاكات، إلا أنها تشكل سياسة عامة وممنهجة في مناطق معينة، والتي تسيطر عليها الفصائل المدعومة من الخارج. وسيقدر القارئ، نظراً إلى الصعوبات الكامنة في جمع البيانات، فإن الأرقام المقدمة في هذا التقرير، عن مساحة الأراضي، ومدى الضرر، وعدد الأشخاص المتضررين، هي تقديرية.
ونمط تلك الانتهاكات ليس على خط واحد، ولا تواجد الأطراف العسكرية مستقر وثابت أو قابل للتنبوء به، فهم في حالة تنافس مستمرة فيما بينهم للسيطرة على أكبر مساحة من الأراضي. لذلك يعاني السكان المدنيون على اختلافهم والعالقون في المنتصف، من حرمان مشترك الناتج عن هذا التنافس الجيوستراتيجي على مناطق النفوذ والأرض وشعبها.
ولأجل تقديم تشخيص متماسك عن تلك الحالات المتداخلة، يتخذ إلى حد كبير هذا الاستعراض، نهجاً متسلسلاً. ولأجل وضع لمحة موجزة عن الوضع الراهن، سيغطي ذلك التقرير الفترة الأخيرة ما بين العام 2023، والنصف الأول من 2024. وعلى الرغم من أن هذا السجل التوثيقي قد يكون جزئياً، فهو يقدم للقارئ لمحة عن ما يضطر السوريون اليوم إلى تحمله، على أيدي المحتلين الأجانب لأراضيهم وأذرعهم.
العام ٢٠٢٣
نهب الفصائل الإيرانية للممتلكات، وإخلاء السكان قسرياً
المجموعات المسلحة الموالية لإيران تستولي على منازل مدنيين في مدينة دير الزور وريفها من الميادين وحتى البوكمال على الحدود العراقية الإيرانية، لتحويلها لمقار عسكرية أو مراكز دينية وثقافية تابعة لها. وقد تضمنت تلك الحوادث في عام ٢٠٢٣، رصد الحالات التالية:
ست عائلات أُجبرت على إخلاء منازلها في بلدة القورية، بريف دير الزور. حيث مارست العناصر الإيرانية تهديد تلك الأسر بالإخلاء القسري، ومصادرة ممتلكاتهم، تحت ذريعة أهمية ذلك الموقع، ومن بين تلك الضحايا:
- أسرة حسين المنصور، والذي غادر مسكنة قسرياً، بعد أن وضع عناصر “الحرس الثوري الإيراني” منصة لإطلاق الصواريخ في منزله.
- أسرة أحمد الحمد، غادر منزله في بلدة الميادين، بريف دير الزور، بعد استفزازات ومضايقات متكررة من جانب عناصر الحرس الثوري الذين يقطنون الحي، وشملت اتهامه بالإرهاب والتحرش بفتيات في الحي. عندما غادر الحمد المنزل علم بتحويله لمستودع أسلحة فاعترض لأنه مكان يعتقد أن المسلحين يحتاجونه للسكن، وتراجع عن موقفه بعد اعتقاله ليومين ومحاولة تلفيق تهمة ضده.
- أسرة راغب السالم من بلدة الميادين، أجبر مع غالبية سكان حيه (حي تمو في الجهة الجنوبية للمدينة)، لإخلاء منازلهم لمقاتلين أجانب (أفغان) يعملون مع الحرس الثوري الإيراني. ويقول إنهم اضطروا للمغادرة بسبب إزالة المسلحين الجدران بين المنازل وفتح ثقوب بينها لنقل الذخائر بشكل مخفي عن الطيران، ما جعل حياة العائلات مستحيلة في الظروف الجديدة، وغالبيتها سكنت منازل بالإيجار في أحياء أخرى.
- وفرت عائلة زين المحمد، هو أحد شباب بلدة الميادين، خشية اعتقال أفرادها بعد رفضهم “التشيّع”، وتوجهت لبلدة الطيانة على الضفة المقابلة لنهر الفرات. فيما افتتحت الفصائل الموالية لإيران نحو 13 حسينية على الأقل في مناطق متفرقة من دير الزور.
- أما محمد العبد، فر مع أسرته من مدينة البوكمال إلى الضفة الأخرى لنهر الفرات الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بسبب اتهام قيادي في الحرس الثوري الإيراني (عراقي الجنسية) له بإعطاء موقع مراكزهم العسكرية القريبة من منزله لقوات معادية لهم. وقال العبد إن الاتهام جاء بعد رفضه عدة مرات أوامر بإخلاء منزله ليتمركز فيه عناصر “الثوري الإيراني”.
تقدّر مصادر في البوكمال عدد المنازل اتي استولت عليها بشكل ممنهج فصائل موالية لإيران (لواء فاطميون، وهاشميون، والنجباء، والحرس الثوري) بـ200 منزل في مدينة البوكمال وقرى السكرية والصالحية والحمدان التابعة لها.
وفي طبقة أخرى من التدمير إضافة إلى عملية نزع الممتلكات، دمّر طيران مجهول الهوية خمسة مبان في حي الجمعيات وسط البوكمال، بعد أن تم تحويلها لمقار ومستودعات تابعة لعناصر الحرس الثوري الإيراني.
الحكومة التركية والفصائل الموالية لها ترتكب انتهاكات حقوق الأرض والسكن:
أما فيما يخص انتهاكات القوات التركية والميليشيات الموالية لهم، استمرت في استغلال قضية النازحين واللاجئين السوريين لتنفيذ تغيير ديموغرافي في عفرين ذات الغالبية السكانية من الكرد، من خلال توطين عائلات نازحة تضم تضم نحو 10,000 فلسطيني، إلى جانب المسلحين المنخرطين في فصائل المعارضة الموالية لها.
وقد مولت أطراف خارجية عدة بناء 29 مجمعاً سكنياً، خلال العام 2023، تم بناء 13 منها بدعم من منظمات فلسطينية و4 بدعم كويتي، و3 بدعم سعودي، و3 بدعم قطري، و3 بدعم من منظمتي سواسية و المؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية (SDI)، وبالتنسيق مع منظمات أخرى، و2 بدعم من منظمة “دينيز” التركية، ومجمع واحد، بدعم من سيدة أعمال خليجية.
وتوزعت هذه المجمّعات قرب مدينة عفرين الكردية، وفي النواحي والقرى التابعة لها، أبرزها جنديرس وشيراوا، وشران، وجبل الأحلام، وغزاوية، وخالدية، وكفر صفرة، وكفرروم. وبينما وفرت تلك المشاريع في توفير السكن للمحتاجين، إلا أنها تساهم في كذلك في تغير التركيبة السكانية المتعمد ضد السكان الأكراد، والتي تنتهجه الحكومة التركية، في جميع أنحاء الإقليم.
وتفرض فصائل “الجيش الوطني السوري” الموالية لتركيا على السكان، دفع مبالغ نقدية (إتاوات) خارج سياق الضرائب، كالمبالغ مقابل استعادة منزل استولى عليه أحد عناصر الجيش الوطني أو فصيل يتبعه، والمبالغ المحددة للأراضي الزراعية بحسب عدد الأشجار، ثم مرة أخرى أثناء جني المحاصيل. وطالت الإتاوات معاصر زيت الزيتون وأصحاب الجرارات الزراعية والشاحنات، بما فيها التي نقلت المساعدات لمتضرري زلزلال 6 شباط/ فبراير 2023.
خلال العام الماضي 2023، رصدت منظمة إنسايت، حالات فرض إتاوات في 114 حالة، فرض 51 منها فصيل سليمان شاه (معروف باسم العمشات)، و8 حالات من جانب الشرطة العسكرية، وفصيل السلطان مراد، وفرض كل من فرقة الحمزة وفيلق المجد إتاوات في 5 حالات، وكل من جيش الشرقية وصقور الشمال، وفيلق الشام إتاوات في 4 حالات. ونفّذت الفصائل نفسها في منطقتي عفرين ورأس العين، 97 عملية إستيلاء على الممتلكات من منازل وأراضي وآليات زراعية، من بينها 38 ممتلكات خاصة تعود لأشخاص كبار السن من النساء والرجال.
وبلغ عدد الأشجار التي تم قطعها خلال العام الماضي 2023 في منطقة عفرين 12566 شجرة، بينها 8831 شجرة زيتون، وذلك بهدف بيع الأخشاب أو الفحم. كما أتلفت الحرائق التي توجد مزاعم حول افتعالها في عفرين بهدف بيع الفحم ولدوافع كراهية 3505 شجرة خلال العام 2023.
وسجلت منظمة إنسايت خلال العام 2023، عدد من الحالات لجرف وتنقيب عشوائي، لمواقع أثرية بلغ عددها 10 في عفرين و2 في رأس العين. كذلك، الفصائل المدعومة من النظام التركي، دمرت وهدمت مواقع أثرية وتاريخية أخرى في عفرين، وشملت تلك المواقع المتضررة في عفرين: محيط قلعة “النبي هوري” ومزار “جيل خانه” الإيزيدي، وتلتي “عين ديبة” و”كوفيجيه” ومساحات جبلية في محيط قرية “إسكان”. وطال التدمير مئذنة جامع “ميدان أكبس” وهدم جامع قرية “كاخرة” وتخريب مزار ومقبرة “الشيخ حميد” الإيزيدية قرب قرية “قسطل”.
وفي المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا[1]، صعّدت القوات التركية هجماتها من خارج الحدود بواسطة الطائرات الحربية والمسيّرة والقصف المدفعي خلال ثلاث فترات من العام 2023، الأولى في كانون الثاني/ يناير والثانية في تشرين الأول/ أكتوبر والثالثة في كانون الأول/ ديسمبر. واستهدفت القوات التركية خلال هذه الهجمات 952 موقعاً، 728 منها مناطق سكنية و81 منشآت للبنية التحتية و55 موقع عسكري لقوات سوريا الديمقراطية و65 موقع لقوات الحكومة السورية و23 ضربة ضمن الأراضي الزراعية. ما يعني أن 76 % من أهدافها كانت مناطق سكنية، بالإضافة لأضرار أخرى في مساكن قريبة من المواقع المستهدفة الأخرى.
وأدت سيطرة تركيا على عفرين في عمليتها العسكرية “غصن الزيتون” عام 2018، لنزوح حوالي 300,000 شخص يسكن بعضهم في قرى وبلدات وخمس مخيمات بريف حلب الشمالي هي الشهباء، وبرخدان، وعفرين، والعودة، سردم، بينما توزّع الآخرون في مدن حلب والحسكة والقامشلي والمالكية/ ديرك، أو هاجروا خارج البلاد بعد سيطرة عناصر “الجيش الوطني السوري” الموالي لتركيا على منازلهم وحقولهم. ويضمّ مخيّم نازحين الشهباء، الذي يعود تاريخ إنشائه إلى العام 2016، نحو 100 عائلة مهجّرة قسرياً أيضاً من مدينة حلب وأريافها خلال المعارك بين الحكومة السورية والمعارضة ما بين العامين 2011 و2016.
كما أدت سيطرة تركيا على منطقتي رأس العين وتل أبيض في عملية “نبع السلام” العسكرية عام 2019، لتهجير 300,000 شخص آخر، توزّعوا على مدن الجزيرة السورية، وبقي عدد كبير منهم في مخيمات أنشأتها الإدارة الذاتية في الحسكة والمالكية.
وأدت سيطرة تركيا على آبار علّوك المغذية لشبكة مياه الشرب في مدينة الحسكة، وأجزاء من ريفها الشمالي، لأزمة طويلة الأمد بسبب قطع المياه عن المنطقة.
كما أدى اعتماد السكان على مياه غير آمنة منقولة بالصهاريج لزيادة التكاليف المادية وتبعات صحية في زمن انتشرت فيه الأوبئة والأمراض التي تعتمد تدابير الوقاية منها على المياه النظيفة كثيراً. كما تسبب تحكّم تركيا بنسبة تدفق مياه نهر الفرات إلى مستوى 200 متر مكعب في الثانية في بعض أوقات السنة، كذلك روافدها الأصغر (أبرزها الخابور)، بتفاقم تبعات الجفاف خلال السنوات الماضية.
العام ٢٠٢٤
وتسبب تصعيد الغارات التركية الأخيرة بداية العام ٢٠٢٤، على مصادر ومحولات الطاقة الكهربائية، وحقول وخزانات النفط، والمعمل الوحيد لغاز الطهي لتأثيرات طويلة الأمد في كلفة الحصول عليها. ولم تتمكن منازل مدينة القامشلي من الوصول إلى الكهرباء العامة، منذ استهداف الغارات التركية محولات الكهرباء فيها منتصف يناير 2024، كما ارتفعت أسعار أسطوانة غاز الطهي من 8 آلاف ليرة سورية إلى 150 ألف ليرة، ثم قررت الإدارة الذاتية تخفيض السعر إلى 100 ألف ليرة. وقدّر إداريون في محطة غاز السويدية أن تكلفة الصيانة بسبب الأضرار بلغت مليار دولار أمريكي.
كما أدت الضربات لارتفاعات مستمرة في أسعار المشتقات النفطية، من بينها وقود التدفئة ومخصصات السيارات ومخصصات تشغيل مضخات الآبار الزراعية. وفي إطار تقييم الخسائر والأضرار للبنى التحتية، الناجمة عن 580 عملية عدائية من قبل القوات التركية ضد 104 موقع في مناطق شمال سوريا وشمال شرق سوريا، في الفترة ما بين5-9 أكتوبر/تشرين الأول 2024، والتي شملت البنى التحتية الحيوية، مثل محطات الطاقة والغاز، والمياه والمرافق التعليمية، فقد بلغت كلفة إصلاح تلك الخسائر أكثر من 1.270 مليار دولار.
و خلال العام الحالي ٢٠٢٤، رفعت الإدارة الذاتية، سعر الخبز المدعوم، وقللت كميات الوقود التي تباع بسعر مخفّض عموماً، بينما خفّضت سعر المحاصيل الأساسية التي تشتريها من مزارعي المنطقة، وأبرزها القمح، ثم الشعير والقطن، وطالت الأضرار من تلك السياسات، نحو ثلاثة ملايين شخص من العرب والكرد والمسيحيين في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة.
وكانت تركيا قد هددت على لسان وزير دفاعها، بتدمير البنية التحتية لمنطقة الإدارة الذاتية، ونشرت وزارة الدفاع التركية أيام 13 و14 و15 من يناير مشاهد تدمير للمنشآت، وبعضها معامل خاصة، زاعمة أنها تموّل حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا ودول أخرى، إذ تتهم تركيا قوات سوريا الديمقراطية بالارتباط به. وتلك المزاعم التي تروج لها تركيا، غير مبررة لأن الإدارة الذاتية (وهي سلطة الأمر الواقع في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية) لا تتقاضى أموالاً لقاء توفير الكهرباء العامة والمياه، كما أن معظم مراكز الكهرباء المدمّرة كانت محطات تحويل فقط، لا تنتج الكهرباء ولا تبيعها، الأمر نفسه ينطبق على منشآت الوقود والمطاحن ومعمل الغاز، والتي كانت تقدم الخدمات بسعر مدعوم، ما يعني عدم وجود أموال ناتجة عن عملها، و(لا تتوفر معلومات عن أعمال استخراج النفط).
مصادرة ونهب الممتلكات العامة والخاصة
وفي النصف الأول من العام الحالي ٢٠٢٤، قامت فصائل “الجيش الوطني” بـ 16 عملية استيلاء ونهب الممتلكات العامة والخاصة، 15 منها لممتلكات خاصة من أراضي زراعية ومنازل وسيارة، حيث في منطقة عفرين وحدها قامت الفصائل بـ 14 حالة استيلاء، وحالة واحدة في كل من مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي ورأس العين. وقد سجلت منظمة إنسايت، خلال النصف الأول من العام الحالي، قطع 2020 شجرة من بينها 1263 شجرة زيتون. ومن أبرز الجهات المسؤولة عن إتلاف الغابات وحقول المزارعين في الحالات التي رصدها الفريق، هي فصائل فرقة الحمزة، والسلطان مراد، وسليمان شاه.
كما رصدت منظمة إنسايت أعمال تخريب لمزار “منان” الديني الإيزيدي الواقع قرب كفر جنة بريف عفرين، حيث شملت الأعمال تدمير قبته وحفر داخله. وفي الجانب الآخر، تعرض النازحون في مخيمات عفرين من حصار تفرضه الحواجز الحكومية على عبور الأغذية والوقود والدواء. وتعرض المتنقلون بين مناطق النفوذ المختلفة لنهب أمتعتهم، وفرض إتاوات مالية، لا سيما من جانب حواجز الفرقة الرابعة التابعة للقوات الحكومية.
المزيد من حالات النزوح والتلاعب الديمغرافي
واستمرت تركيا، خلال العام ٢٠٢٤، في بناء وحدات سكنية لإيواء نازحين من مناطق سورية أخرى وتوطين عائلات مسلحي المعارضة في منطقة عفرين، ما تسبب بالسيطرة على ممتلكات عامة ونهب الأراضي الزراعية، ويسرّع التغيير الديموغرافي في عفرين ومحيطها بريف حلب الشمالي. وبلغ عدد المجمّعات السكنية التي رصدها فريق الرصد في إنسايت خلال النصف الأول من العام 2024، 11 مجمعاً، تم بناء 1 منها بدعم فلسطيني، و2 بدعم منظمات مقرها في بريطانيا، فيما جرى تشييد البقية بدعم تركي.
ومن جهة أخرى، في 11 أغسطس/آب 2024، هاجمت قوات النظام السوري، والفصائل الموالية لها، قوات سوريا الديمقراطية، في الجانب الغربي من قرية دير الزور، واحتدم الصراع بينهم لمدة أسبوع، أي من الطرفين بمبادئ القانون الإنساني في التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.
وواجه الضحايا من المدنيين أوقات صعبة، عقب إندلاع النزاع بشكل مفاجئ، حيث قتل او أصيب الكثير من المدنيين، نتيجة القصف المتبادل، من بينهم 25 قتيل، وإصابة 28 أخرين، فضلا عن تضرر منازلهم وممتلكاتهم، وإضطرارهم إلى الانتقال إلى مناطق قريبة من قراهم المدمرة على أمل العودة فور انتهاء تلك العمليات العسكرية.
فيما أفاد شهود عيان، بأن التمركزات الأمنية والحراسة متواجدة بالقرب من ضفاف النهر، باعتبار أنه خط التماس بين منطقتي النفوذ، لكن ذلك يجعلهم قريبين من المنازل على الضفة، أو في وسطها أحياناً. وقد أدى استخدام المهاجمين للمدفعية وقذائف الهاون إلى سقوط القذائف داخل منطقة مأهولة بالسكان. هذا في خضم تلك العمليات العسكرية، نزح المدنيون من كلا ضفتي نهر الفرات، إلى مناطق أكثر أماناً قريبة من قراهم، أو إلى مناطق البادية في الصحراء، هرباً من القصف المحتدم بين الطرفين. وقد تركز القصف على قرى الدحلة، أبو حمام، الكشكية، والبصيرة، فضلا عن تعرض ما يقرب من 100,000 من السكان المحليين لمخاطر الحرمان من الوصول إلى الغذاء والمياه الصالحة للشرب.
وقدر شهود عيان، بأن عدد النازحين نتيجة اندلاع القصف في أغسطس/آب 2024، في دير الزور، 3500 أسرة، فروا للبحث عن أماكن آمنة وقريبة من قراهم، أو إلى صحراء البادية، هذا بالإضافة إلى 6500 أسرة، قد فرت إلى أماكن قريبة من مساكنهم، منذ الاشتباكات المسلحة في أغسطس الماضي 2023، على أمل عودتهم مرة أخرى، وأن تظل العمليات العسكرية في مناطق محددة.
انتهاكات متراكمة
وفي خضم هذا التصعيد، يستمر تعرض السكان المحليين إلى الجباية والنهب. ففي شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس، فرضت فصائل العمشات المسلحة، رسومًا على السكان الأكراد في منطقة شيه/شيخ الحديد، في بلدة معبطلي، والعديد من القرى المحيطة الواقعة تحت سيطرتها، حيث أفادت التقارير أن تلك الفصائل جمعت ما يعادل أكثر من 730,000 يورو.
وفي قرية كاخرا/ياخور التابعة لريف عفرين، والتي هدمت فصائل العمشات، مسجداً محلياً بها في عام 2023 (انظر أعلاه)، نظمت النساء مظاهرة في 15 سبتمبر/أيلول 2024، احتجاجاً على استمرار التعرض للجباية وغيرها من الانتهاكات، التي ترتكبها تلك الفصائل، والتي أفادت التقارير أنها سرقت 17,000 دولار من 170 عائلة كردية محلية لا تزال تقيم في القرية. وقد هاجم رجال فصيل العمشات المسلحون، المظاهرة السلمية بالعصي والهراوات والرصاص الحي، مما أدى إلى إصابة 20 شخصاً من سكان القرية من جميع الأعمار، من النساء والأطفال وكبار السن، بما في ذلك رجل وامرأة يبلغ عمر كل منهما 80 عاماً.
الخاتـمـة
تشير العديد من تقارير منظمات حقوق الإنسان، ومناشدات المدنيين في شمال شرق سوريا، إلى الانتهاكات الممنهجة والمتكررة بحق المدنيين في الشمال السوري، من قبل كافة الفصائل المتحاربة، سواء الموالية للحكومة السورية أو إيران، أو التواجد العسكري الأمريكي، أو الميليشيات الموالية للحكومة التركية والمدعومة منها. سواء من خلال فرض جبايات ورسوم غير مشروعة، على من تبقى من السكان، أو من خلال الوسائل العسكرية لإجبار المدنيين على التهجير القسري ونهب الممتلكات والأراضي والمساكن، لإحداث تغيير ديموغرافي، بالإضافة إلى حرمانهم من الحصول على الغذاء الكافي والمياه الصالحة للشرب كعقاب جماعي. ويشكل ذلك عائقاً أمام عودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم وفقاً لمبدأ الحق في الانتصاف، لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين.
وينبغي أن تتحمل جميع الحكومات التي تعمل بشكل مباشر أو من خلال وكلائها على أراضي الشعب السوري، التزاماتها في مجال حقوق الإنسان والقانون الإنساني، بما فيها الإلتزامات خارج الحدود الإقليمية لدول تلك الحكومات، لتجنب انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكان المتضررين. وسواء ارتُكبت تلك الممارسات من قبل هذه الدول بشكل مباشر أو من خلال وكلائها، فإنها قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما إن جميع حالات التهجير التي تم سردها في هذا التقرير قد ترقى إلى جريمة الإخلاء قسري. سواء في وقت السلم، أو في حالات النزاع والاحتلال والحرب، حيث تصنف عمليات الإخلاء القسري على أنها ”انتهاك جسيم“ لحقوق الإنسان. ويحق للأشخاص والأسر المتضررة والأسر التي تتعرض لمثل هذا الانتهاك الجسيم الحصول على الجبر، وهو حزمة شاملة من الاستحقاقات، بما في ذلك الحق في رد الحقوق، والعودة، وإعادة التوطين، والتعويض (عن الظروف والقيم التي يستحيل استعادتها مادياً)، وضمانات عدم التكرار، ورضا الضحايا بأن العدالة ـــــ وكما تسعى منظمة ”إنسايت“[2] ـــــ قد تحققت.
وكما سبق أن قدمت شبكة حقوق الأرض والسكن، في آلية نظام المعاهدات لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فإن جميع السوريين المهجرين والذين تم انتهاك حقوقهم الإنسانية المقدسة ـــــ مثلهم مثل الجميع ـــــ يتمتعون بالحق المكفول بموجب المعاهدة في الانتصاف. فقد عانى السوريون ما يزيد عن عقد من الزمن من الانتهاكات الممنهجة، التي طالت مساكنهم، وأراضيهم، ومياههم، وسبل معيشتهم في سياق النزاع والاحتلال والحرب التي يغطيها هذا التقرير. ومع ذلك، فإن هذه الانتهاكات لها نطاق أطول، ولجميع الأشخاص المتضررين نفس الحق في سبل الانتصاف. ويبقى السوريون الذين عانوا طويلاً من تكاليف الخسائر والأضرار التي لا توصف، هم أكثر الملفات إلحاحاً في أولوياتنا.
الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والمعروفة أيضًا باسم روج آفا (بالكردية: Rojavayê Kurdistanê)، هي منطقة حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع في شمال شرق سوريا تتكون من مناطق فرعية تتمتع بالحكم الذاتي في مناطق عفرين والجزيرة والفرات والرقة والطبقة ومنبج وضاير الزور. وتتمتع مناطق الحكم الذاتي بهيكل إداري مستوحى من مفاهيم الكونفدرالية الديمقراطية، ويشمل ويخدم سكانًا سوريين متعددي الأعراق من العرب والأكراد والتركمان والآشوريين والأرمن والشركس واليزيديين الذين يمثلون مجموعات لغوية وطوائف دينية مختلفة.
للأطلاع على كامل الملف :North Syria_Final_AR